صدى الصمت
مها الرديسي
لو لم يربط العلماء بين الخمر و الجريمة لتمكن عامة الناس و على ضوء التجارب و الخبرات أن يتبنوا حقيقة العلاقة بين المسكرات و المخدرات و الجريمة … إذ يعد تناول المسكرات و المخدرات في حد ذاته جريمة لعلاقة السببية فالخمر تؤثر على مدمنها لاسيما عندما يكون لديه إستعداد إجرامي كامن .. لأن الخمر تجعل الشخص أكثر إندفاعا إلى السلوك العدواني و أقل حساسية لعواقب الأمور مستخفا بالعقوبة وأقوى مقاومة للضوابط الإجتماعية …
وعالميا أصبح من المسلم به أن الخمور و المخدرات من عوامل الإجرام …
تؤثر الخمر تأثيرا عميقا على شخصية شاربها خلال فترة سكره و بعدها .. و ليس شرطا أن يكون الشخص مدمنا على تناول الخمور لكي يحدث هذا التأثير فقد أثبت العلماء أن الخمر تقلل من القدرة على الإدراك و التمييز فتضعف الإرادة و تقل مقاومة الدوافع الغريزية و بالتالي يحدث الإنقياد للأفعال الإجرامية ..
و إجرام السكارى له طابع خاص يميزه .. فيغلب عليه العنف والإعتداء على العرض و الإهانة بالألفاظ البذيئة والتشرد و إفتعال و إشعال الحرائق إنتقاما ..و كذلك يرتكب مدمني المسكرات و المخدرات جرائم الإهمال بما في ذلك الجرائم المرورية و غالبية الحوادث المميتة على الطرق السريعة ..
و يلاحظ إختلاف و تفاوت تأثير الخمر تبعا لإختلاف الشعوب والتكوين البيولوجي للمجتمعات ..فبعض الشعوب تسرف كثيرا في تناول الخمور دون أن يؤثر ذلك في حجم الإجرام داخل مجتمعاتها ..مع الوضع في الإعتبار أن الخمر ليست العامل الوحيد للإجرام العام و لإجرام العنف خاصة …
وقد وجد أن الإدمان على الخمور و المخدرات يترتب عليه إصابة المدمن ببعض الأمراض النفسية و العضوية و العقلية والتي تؤدي بدورها لإنحرافات سلوكية و إجرامية إذ ينفق المدمن جزء كبير من دخله على المسكرات و المخدرات و لا يجد ما يوفي به التزاماته الأسرية من مأكل ومشرب و نحو ذلك و تبعا لذلك يجد المدمن نفسه في ظروف إقتصادية سيئة للغاية .. فيندفع إلى عالم الجريمة فيرتكب جرائم الإعتداء على الأموال مثل السرقة و النصب و خيانة الأمانة ..و قد يترتب على الإدمان أن يفقد المدمن عمله .. و ذلك أن الإدمان يقلل من ساعات العمل و الإنتاج .. فتتناقص كفاءة الشخص ويسوء الإنتاج كما و كيفا مما يؤدي لفصله الشخص عن عمله و تعرضه للبطالة فيلجأ للجريمة كي يعوض عمله أو ليكمل ما نقص من دخله ..
إضافة لكل ما سبق أثبت علميا و بصورة قاطعة تأثير إدمان المسكرات و المخدرات على ذرية المدمن (الأبناء) فالمكانة الإجتماعية تهتز و يتدهور الوضع الإقتصادي لدى أفراد أسرة المدمن في حاله فصله عن العمل أو دخوله السجن أو إلحاقه بمصحة للعلاج من الإدمان .. فتضطر الزوجة للخروج للعمل أو التسول .. و في الغالب يحدث إنهيار و تفكك إجتماعي و نفسي كامل للأسرة ..
كذلك تؤثر الخمور و المخدرات وراثيا على الأبناء فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الإفراط في تناول الخمور يؤدي لإرتفاع نسبة الكحول في الدم و تلك خصيصة بيولوجية تنتقل من الأصول للفروع عن طريق الوراثة و ينتج عن ذلك أن أولاد المدمن يرثون الميل إلى شرب الكحول و المخدرات و لا نغفل دور البيئة الثقافية المحيطة بالمدمنين التي تعزز من قيمة الخمور و المخدرات السحرية في تجاوز الألم و المحن و تربطها بالإبداع و الهروب من مشاكل الحياة و هو حقيقة عكس ما يحدث للمدمن على الخمر أو المخدرات فهو يصبح شبحا بلا روح منفصما عن الواقع ..
واذا تطرقنا للبيئة العائلية لأبناء المدمن للخمر أو المخدرات .. فهي بيئة بالغة التعقيد فهم ينشئون في جو عائلي سيء يفتقر و يفتقد للقدوة في السلوك .. و في حالة إدمان الأم يصبح الوضع أكثر خطورة .. وكثيرا لا يجد أولاد المدمن التغذية المطلوبة و المتوازنة فتهاجمهم الأمراض و يتعثرون في تعليمهم و لاشك أن هذه الظروف البيئية لو تضافرت مع تكوينهم البيولوجي الموروث كان لها أبلغ الأثر في إنحراف الأبناء و دفعهم للجريمة ..
و خلاصة القول أن علاقة الخمور و المخدرات بالإجرام علاقة سبب بمسبب .. فهناك إجماع علمي على أن أم الكبائر (الخمر) عامل من عوامل الإجرام و لها أثارها الأمنية و الإقتصادية و النفسية والإجتماعية و لها أثرها الواضح في حجم الإجرام و نوع الإجرام العام ..
و مع كل ذلك لاتحظر الخمور و لا تمنع في كثير من الدول و يتم بيعها و إستهلاكها لأسباب إقتصادية بحتة .. إلا أن هناك إجماع دولي على منع الإتجار بالمخدرات و المنشطات و الحبوب المهلوسة دوليا .
معا نحو مجتمع يقظ ومعافى .
مها الرديسي
#صدى_الصمت