الديوان

رغماً للظروف والحال الحرن .. فتيات يحققن النجاح ويدخلن السعادة في بيوتهن الفقيرة

كانت تلبيتنا لدعوة حضور برنامج قصد منه الاحتفاء بعدد من الطالبات المتفوقات في امتحان مرحلة الأساس واجتيازهن للمرحلة بنسب جيدة جداً رغم الظروف الصعبة التي يعيشها ذووهن، حقاً كانت لحظات ما أحلاها لا تنسى مع شباب من الجنسين وسيدة أجنبية رقيقة تحب السودانيين وتساعد الفقراء والمساكين، فتيات ارتسمت على وجوههن البريئة ابتسامة الفرح بالنجاح الذي لم تكن واحدة منهن تحلم أن تواصل دراستها لشدة ما يعتصرهن من فقر وعناء، آباء مفقودون ومهاجرون ومعاقون، أمهات يعانين من صحة الأمومة، أطفال يولدون من رحم الظروف القاسية دون ترقب لمستقبل يضمن لهم حياة كريمة، فابتسامة الصغيرات وهن يجلسن على ظهر ذلك اليخت النهري الأنيق كانت كافية لمعرفة مدى إحساسهن بطعم الحياة عندما يختلط بالنجاح، فلم يبخل القائمون على أمر مساندتهن ومساعدة أسرهن للخروج من ضائقة الفقر والحاجة والعوز، وجزاءً لما حققنه من نجاح أكرموهن برحلة احتفائية على النيل بدأت من (الأسكلا) قبالة جزيرة توتي الساحرة مروراً بسواحل أم درمان وبحري، ومع أنغام الأغنيات الوردية كانت قد تضاعفت فرحة الطالبات الصابرات الصامدات بنجاحهن لتبقى تلك الاحتفائية منحوتة بذاكرتهن إلى الأبد، تشعل روح الحماسة بداخلهن وتدفعهن للمضي قدماً لتحقيق المزيد من النجاحات والأحلام.
الشاب الذي نذر نفسه لخدمة الآخرين “إبراهيم حجازي” أكد للصحيفة أن جميع الطالبات أحرزن نتائج لم تكن متوقعة نسبة للأوضاع الصعبة التي يعيشنها من عدم الكهرباء والسكن المريح، مرض الأب معاناة الأم والإخوة الصغار وبعد المدرسة عن البيت، وأشياء لا تخطر على البال تعيشها أسر عفيفة بقلب وأطراف العاصمة الخرطوم، أطفالهم يحلمون بدخول المدرسة ويرغبون في التعليم، لكن ضيق ذات  يد أهاليهم وعدم قدرتهم على الصرف صرف عنهم فرص التعليم ليبقوا قابعين بالبيوت، يعيشون المعاناة والضغوط النفسية التي تعانيها أسرهم ويتعايشون مع تلك الأوضاع الصعبة، وبحزن عميق يواصل   “إبراهيم” حديثه لنا ويحكي عن إحدى الطالبات من الناجحات وقال إن هذه الطالبة لديها ستة من الإخوان  أربع بنات وولدان جميعهم لم يكملوا تعليمهم والدهم بعد أن عاندته الظروف القاهرة استسلم لليأس ففر هارباً إلى جهة غير معلومة وترك هؤلاء الصغار لوالدتهم التي اضطرت للعمل في مطعم لتتكفل بمعيشتهم، وها هي تحصد ثمار صبرها وتضحيتها بنجاح صغيرتها “فاطمة”التي أحرزت نسبة (203) درجة.
الطالبة “سارة” التي أحرزت أيضاً نسبة جيدة (رغماً للظروف والحال الحرن)، والدتها ظلت تلعن حظها الذي أوصلها إلى تلك الحياة القاسية التي جعلت أسرتها تعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم، وذلك لأن زوجها وأبوا أولادها مريض لا يقوى على العمل ولا يستطيع الحركة، ليحكم القدر على أطفالهم أن يبقوا بالبيت دون تعليم، “سارة” وحدها هي التي استطاعت بفضل المجموعة الخيرة أن تلتحق بركب التعليم وتجتاز المرحلة الابتدائية بنجاح، وذلك بفضل   مشروع صغير وفرت تكاليفه إحدى الجمعيات الخيرية للأم الصامدة وهو صناعة (الطعمية) وبيعها بالمدرسة القريبة منهم.
أما “نجاة” التي أحرزت نسبة نجاح (196) درجة بعدما تركت المدرسة لمدة أربع سنوات كما إخوتها الصغار فحكايتها كما رواها “إبراهيم” تقول إنها قد   تم إرجاعها إلى مدرسة خاصة اجتهدت ونجحت، أما إخوتها فتم إدخالهم مدارس الأساس ومنهم من كان قد ترك المدرسة وتشرد لتقدم الجمعية لهم الدعم المعنوي والنفسي والمادي ليواصلوا تعليمهم.
و”ابتسام” الهادئة التي عانت ما عانت من وضعهم أسرتها المادي اكتشفوا ذكاءها وبفضلهم أيضاً تم إرجاعها لمدرسة خاصة ذات بيئة أفضل فعوضت سنوات بقائها بالمنزل وتفوقت بنسبة عالية هي (230)، وأوضحت لي بلهجة حزينة أن الرغبة في التعليم ستقودها للمواصلة فيه مهما كانت الظروف، وشكرت كل من وقف معها وساند أسرتها.
كما لم تختلف قصة “نور” المتفوقة عن قريناتها اللائي سلكن طريقاً للعلم رغم ظروفهن الصعبة، فوالدها هاجر إلى مناطق الذهب بحثاً عن الثروة وغاب لم يعرف عنه خبر منذ سنوات تاركاً أطفالاً جميعهم في سن المراحل الدراسية.
كل تلك الحكايات والروايات ليست خيالية، بل هي من صميم دراما واقعنا الحي وعايشناها على الهواء الطلق وسمعناها من لسان أبطالها خلال تلك الرحلة  النيلية التي أزالت عنهم الهم ورفعت مناسيب الفرح والأمل بداخلهم، فاستمتعوا بتلك الأجواء وانتبهوا لنصائح وتوجيهات من وقفوا خلفهم وساندوهم بالمشاريع الصغيرة التي كفت أسرهم قوت اليوم باليوم، بجانب توفير مصاريف دراستهم. وبعد حزمة التوجيهات الطالبات المتفوقات التزمن بالمحافظة على مستواهن ووعدن بمواصلة مسيرة النجاح والتفوق، وأبدين سعادة مفرطة بالاحتفالية الجميلة، لكن الذي ما يزال ينقص هذه الأسر الكثير، فهي تستحق المساعدة والاهتمام!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية