أخوة الرضاعة .. قصص وحكايات من قلب المجتمع
قصة واقعية حدثت في إحدى قرى الشمال تحكي تفاصيلها عن سيدة داهمتها حمى الملاريا أثناء فترة وضوعها، واشتد عليها المرض لدرجة أنها لم تستطع إرضاع صغيرها، فاضطرت جدته لأمه لحمله وذهبت به لخالته التي كانت لديها أيضاً طفلة رضيعة، وبحنية شديدة احتضنت الخالة ابن شقيقتها الوليد وأرضعته بجانب صغيرتها، واستمرت في إعطائه (رضعات) مشبعة ولعدة أيام إلى أن تماثلت أمه للشفاء فأعادته إلى حضنها. مرت الأيام وتوالت السنين، وتوفيت الجدة، ونسى أهل المنطقة (حكاية إرضاع الخالة لابن أختها) باعتبارها الأمر عادياً يتكرر حدوثه في كل العائلات إلى إن تصاعدت القصة وتطورت أحداثها وحدث ما لم يكن في الحسبان، وكان ذلك عندما حضر “هيثم” وهو ذاك الطفل الذي رضع من ثدي خالته “أم نجوى” إلى والدته وطلب منها أن تخطب له ابنة خالته “نجوى” ليتوج حبه لها بالزواج وهنا كانت المفاجأة صادمة، هل يجوز لـ”هيثم” أن يتزوج من أخته في الرضاعة، هذا ما دار في رأس “أم هيثم”، فما كان منها أن أخبرت ابنها وابنة أختها بتلك الواقعة القديمة.
هذه القصة الواقية أردنا أن تكون مدخلاً لقضيتنا اليوم وهي (الأخوة في الرضاعة)
ما بتكون لأختك خطيب
التفاصيل الواقعية لقصة “هيثم” وبنت خالته “نجوى” وصلت إلى الشاعر “علي الخضر”، فزاد عليها من خياله الشعري، وجسَّد تفاصيلها عبر هذه المقاطع الشعرية، (هيثم احكي ليكم حكايتو.. قولي صِح ما فيهو ريبة.. قصتو المشهورة كانت حاصلة قبل سنين قريبة تبدأ بي مشوار عواطف.. بي قلوب مليانه طيبة.. وريدة في عمق المشاعر كل يوم يزداد لهيبه
..نجوى بت خالتو الوحيدة ريدة أصبح مبتليبه.. إلى قوله:
(أنا من زمان خايفاهو قلبك ريدة البت يبتليبه إلا يا هيثم جنايا خالتك أنت (رضع) حليبه
وفي الشرع تبقالك أختك وما بتكون لأختك خطيبه).
بحكم العاطفة مضافة إليها أسباب عملية تقتضي الرضاعة ربما حدثت في كثير من الأسر والعوائل أحداث مماثلة، والأنكى تكون بلغت حد الزواج، الأمر الذي تترتب عليه كثير من التداعيات، ولخطورة التهاون به أصبحت فيه حرمة وعدد من النواحي الفقهية والقانونية تناولنا شقاً منها في المساحة التالية، إلى جانب الأسباب العلمية لحرمة زواج الأخوان.
مسوغات للأخوة من الرضاعة
جدل فقهي كثير يدور حول أخوان الرضاعة ما لهم وما عليهم، وما به من أمور كثيرة تحوم حولها الشبهات، وللتعرف على بعض من جوانب هذا الموضوع فقهياً احتكمنا إلى الشيخ “محمد هاشم الحكيم” فقال: إن الرضاعة تكون في وقت الإرضاع عند فصاله في عامين وفقاً للحديث (إنما الرضاعة ما أنبت اللحم الصغير)، وقد جعل الله عز وجل من المحارم (أخوانكم من الرضاعة وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )، ودار جدل في فتوى إرضاع الكبير وقد أذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لآل أبي حذيفة أن يرضعوا “سالم” الذي تربى معهم لكي لا يتحرجوا من دخوله عليهم، وبحسبه يرى جمهور العلماء أنها كانت حالة خاصة وشذ البعض فعممها، وقال متى ما كان رجل يدخل على أسرة يمكن أرضاعه ليدخل عليهم، وهو محل نظر ويرجح أن المفسدة فيه أكبر من المصلحة.
ومضى “هاشم” بقوله كل طفل رضع خمس رضعات مشبعات على أرجح الأحوال كما في الحديث الصحيح. ويرى المالكية أن رضعة واحدة تحرم ليصبح الطفل أبناً، وزوجها (صاحب اللبن) يصبح أباً له، وأبناء المرضعة وأبناء زوجها (صاحب اللبن) أخوان له، وأخوان الأم أخوالهم، وأخوان الأب أعمامهم، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب).
واستطرد “الحكيم” أن المعضلة تكمن في اكتشاف الزوجين وبعد أن يصبح لديهما أبناء، أنهم أخوة من الرضاعة (أرضعتهم أم واحدة) سواء أكانت أم الزوج أو الزوجة أو أية امرأة أخرى، فعندئذ يفرق بينهما فوراً من غير طلاق، ويلحق الأبناء بهما نسباً وورثاً ويورثوا لأنه نكاح شبهة. وقد جئ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بزوجين أدعت عجوز أنها أرضعتهما ففرق (صلى الله عليه وسلم) بينهما، فقالا يا رسول الله تفرق بيننا بقول عجوز لا ندري أكذبت أم صدقت؟ قال (صلى الله عليه وسلم): كيف وقد قالت! لذلك أخذ العلماء بقول المرضعة كشهادة، وفي هذا رد على من ادعى أن الإسلام أضعف شهادة المرأة.
وأردف “هاشم” مذكراً بأنه ينبغي على الأخوة من الرضاعة أثناء فترة المراهقة والبلوغ وأن كان يحل لهم الدخول على الأسرة، أنه يجب التعامل بحذر سداً للذرائع لأنهم ليسوا كالأشقاء، كما ينبغي على النساء المرضعات أخذ الإذن من الزوج وإعلام الأسر حتى لا تحدث إشكالات مستقبلاً.
أسباب علمية
قدمت إحدى الطالبات “سلوان نهاد جودة “بحثاً عن السبب العلمي لحرمة زواج الأخوة من الرضاعة من أم أجنبية. وجاء فيه أن رضاعة الطفل من غير الأم التي ولدته تكسبه أخوة ليس بالمعنى السطحي إنما في أمور لها أصل في العلم، وقد ثبت علمياً أن اللبن الذي يرضعه الجنين من صدر أمه يحتوي على خلايا جذعية هي المسؤولة عن إكسابه صفة الأخوة.
وتوضح “جودة” أن الخلايا الجذعية الموجودة في حليب الرضاعة تجعل هناك صفات مشتركة بين الأخوة لأنها تساعد في انتقال العوامل الوراثية والمناعية من حليب الأم أو المرضعة إلى الطفل الرضيع عبر اختراقها لخلاياه واندماجها مع جيناته، حيث أن الجهاز المناعي للطفل الرضيع المولود حديثاً لا يكون مكتمل النضوج فهذا يساعده في ألا يحس أن حليب الأم غريب، بالإضافة إلى ذلك فإن الجهاز الهضمي يساعده على اختراق الخلايا الجذعية حاله حال الأجهزة الأخرى في الجسم التي لا يكتمل نضوجها إلا بعد أشهر وسنوات من الولادة. وقالت إن الحكمة من تحريم الزواج من أخوة الرضاعة تكمن في وجود مواد حساسة لا يظهر أثرها على الرضيع، ولكن لو تزوج أخته من خلال الرضاعة فستظهر نتائجه السيئة في أبنائهم، مشيرة إلى أن التشابه الباطن لا يلزم أن يكون قد حدث في كل أخ من الرضاعة بل نسبة جيدة يمكن أن تثبت عليها النظرية.
الإرث قانوناً
وفي السياق أفادنا القانوني الأستاذ “أسعد الطيب العباسي” عن جواز الإرث بالرضاعة، وأن أسبابه معلومة ومحددة في الشرع منها ما أجمع عليه العلماء وهي ثلاثة: عقد الزوجية والقرابة والولاء العتق، مضيفاً أن هناك أسباب أخرى اختلف فيها العلماء، هي الموالاة والمعاقدة وإسلامه على يديه الالتقاط جهة الإسلام، بمعنى أن بيت المال يرث من ليس له وارث ويتضح من خلال أسباب الإرث المتفق والمختلف عليها أن ليس من بينها الرضاعة، فمن ماتت وليس لها وارث فإن مالها يذهب إلى بيت مال المسلمين ولا يستحق ميراثها ابنها من الرضاعة.