الديوان

"حمزة سليمان" مطرب عبق المعاني وسحر الألحان

الآذان تعشق الصوت الطروب، فهو يتوغل دون عناء ليستقر في النفس الذواقة للفن الأصيل اللامتناهي.
“حمزة سليمان” مطرب مبدع ومتفرد يأخذك بصوته الصداح إلى منابع النغم الشجي، وعبر أداه المتقن للكلمات المموسقة يحلق بك في عوالم الدهشة والإمتاع والإبداع، كما أنه يعتبر أنموذجاً للفنان الملتزم والموسيقي الموهوب والملحن المتمكن، كيف لا وهو من أسرة نشأت وترعرعت على فطرة الفن وتوارثت ثروة الإبداع جيلاً بعد جيل.
ظهوره ضمن فرقة (عقد الجلاد) الغنائية منذ لحظات ميلادها الأولى ووجوده بين الأصوات التي شكلت حلقات ذلك العقد الفريد  “شريف شرحبيل”، “مجاهد”، “عمر بانقا”، “عوض الله”، “منال بدر الدين” و”أنور” أعطاه فرصة التوهج الأولى، وبطريقته الأدائية المميزة وتوظيفه لخامة صوته الغليظ (الباص) استطاع أن يلفت الانتباه لدرجة جعلت جمهور (عقد الجلاد) ينتظر ويترقب لحظات انفراداته الغنائية (العجيبة) التي تصل بهم إلى قمة التفاعل والانفعال الطربي.
“حمزة سليمان” منذ لحظة ميلاده الإبداعي وسطوع نجمه مع كوكبة نجوم (عقد الجلاد) وبعد خوضه لتجربة الغناء منفرداً وإلى الآن ظل يسير على خط الفن الجاد والملتزم، ويظهر ذلك بصورة جلية من خلال تعاملاته الفنية مع صفوة الشعراء والملحنين واختياراته المتميزة لنصوص أغنياته الخاصة والتي دائماً ما نجدها من شاكلة الأغاني التي تتناول القضايا المجتمعية، ونجده حريصاً ليغني لشاعر الوطن الكبير نصير الغلابة والبسطاء “محمد الحسن سالم حميد”، حيث أبدع بموهبته الفذة في تلحين ثم أداء مفردات “حميد” المعتقة، منها على سبيل المثال أغنية (وطنا) والتي يقول مطلعها:
وطنا حبيبنا رغم البيك هي الأشواق
حنينا إليك زين يا زين يظل دفاق
ما حوجتنا ونديك وخيرنا إليك دوم سأساق
يلاقي البينا من واديك (اناقي) عزيزة ماها فراق
بحبك ومن طرف من جم برغم قطايع الإملاق
ما بتندم علاقة دم وفاء وتاريخ على الإطلاق
إذا لمتنا على ذات الخلق وأخلاق  
وطن وين كان في ذمتنا
فكيف يبقى الزمن فراق هي الأشواق
وإلى آخر مفرداتها العميقة، وهي لوحة غنائية ممتدة أهداها “حمزة” مطلع هذا العام لفرقة (عقد الجلاد) بلحنها الجميل التي أبدعت في أدائها، ولم يكتفِ “حمزة” بالتوقف عند (وطنا)، بل واصل التلاقي الإبداعي مع “حميد” فكانت (الرجعة للبيت القديم) يقول مطلعها:
أنا ماشي راجع لبيوت تفتح أدق أو ما أدق
من غير تقول الزول منو ولا حتى عل الداعي خير
لا مالك الجابك  شنو لي بيوت بجيهن في أي يوم
“حمزة” الذي ميزه أكثر تغنيه بالفصحى والعامية الرفيعة لكبار الشعراء السودانيين والعرب أبرزهم “عبد القادر الكتيابي”، “عاطف خيري”، “محمد محمد خير” و”هاشم صديق” بجانب “نزار قباني”، وكانت ألحانه لهذه الأشعار القوية المؤثرة تخرج بصوته العذب خفيفة وشفيفة معبرة، وما يقدمه من فن راقٍ ومتقدم يجعل “حمزة” فناناً مختلفاً ومتفرداً.
إنتاج “حمزة سليمان” من الأغاني ليس بقليل خاصة وأنه مؤمن بأن الفن رسالة سامية المعاني، لذلك حصر نفسه في ما ينفع المجتمع وابتعد عن السائد في سوق الغناء متمسكاً بقيم وأصالة  المعاني في الأغنيات التي ظل يرددها، فجاءت (زيتونة) رائعة الشاعر الكبير “عبد القادر الكتيابي” والتي أبدع فيها أداءً راقياً حيث تقول:
زي زيتونة ولون اللون الفجر البدري
كيف ما كيف لا نحس لا ندري انقسمت بانا
رقصت فرشت ريش ألوانها قدل طاؤوس الوهج السحري
وغنى لساحر الرمزية “هاشم صديق” (عصفورة):
شقشقت عصفورة من جنة عيونك
صحصحت نجمة وزهت في ليلة عينه
ومن سلامتك (طرقع) الفرح الأصابع
كما جاءت (أحبك) لشاعر الشعب “محجوب شريف”:
أحبك حب شديد بالحيل
كأني ولد كبير يا دابو أتنفس هواء العشرين وشد الحيل
استطاع “حمزة” أن يحيل كلمات الشاعر “عاطف خيري” التي تصور واقعنا حلوه ومره عبر أغنيات تنساب عذوبة ودهشة وفي (منفستو الهمباتة):
تشوف الغيمة في مقلة مراية السهلة راخية رموشا
تنت في أم شديدة القهوة
جاتا الدوشة
إلى أن يأتي مقطع:
ديسهو منك فيهو
أو سميهو في خيل الصحاب
 البخشوا الحضرة دونما نوبة ومن غير ما يدقوا الباب
وفي رائعة “عاطف خيري” (باب الروح) وقصتها الحية:
باب الروح متاكا انسربي
صاحيات الحدائق ارعي
قبال منجنيق الخوف يعاود ضربي
والرائع “حمزة سليمان” يصل محطة مفردات الشاعر المعتق “محمد محمد خير” فكانت (أم درمان) العريقة بروح جميلة خاصة عند:
الله إذا ما ارتاح شقاي
صبح الحزن مليان ضحك
وجاني المنادي ينادي ليك
وسرحت زي الضوء عليك
وصرخت يا جنة بلال
عالجني يا عابدين شرف سامحني يا إستاد الهلال
الليلة يا أم درمان بشوف كل المدن في توب سماحتك تنجهك
وعلى ذات النهج تمكن “حمزة سليمان” من إضفاء لمسات ساحرة بالاوركسترا السودانية على بعض أشهر الأغنيات العربية لـ”نزار قباني” وآخرين وجاء أداؤه مذهلاً (لسيدتي):
 لم يحدث أبداً أن أحببت بهذا العمق
إني سافرت مع امرأة لبلاد الشوق
وتمتع “حمزة” بالصوت العريض والقوي واهتمامه بمخارج الحروف، إضافة إلى أدائه التعبيري بإحساس عالٍ يخلق منه مطرباً لكل المواسم وأعماله تتناولها وسائل الانترنت بانتظام، لكن الذي ينقصه التوثيق لوسائل الإعلام ويحتاج للإنتاج الضخم. والآن وبحسب المتابعين لمسيرة “حمزة سليمان” في مقر إقامته بالإمارات العربية المتحدة، فهو الآن يحضر لتصوير بعض أغنياته التي تتسم بالرأي الآخر المميزة، وتفسر النصوص الأكثر ملائمة لمعالجة القضايا التي تمس الناس.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية