السيسي في أم سيس؟
أم سيس هي الأرض الوعرة تتخلّلها الأودية والتربة الطينية اللزجة، وتتخذها حيوانات الغابة ملاذاً لها من بطش الإنسان.. وشروره.. ومن (يتوه) في غابة أم سيس ينهض للبحث عنه الرجال الشجعان.. والدكتور “التجاني سيسي” أثبت -خلال العام الذي انصرم- حرصاً ووطنيه دافقة من أجل وطنه السودان وبلده دارفور.. جاء “السيسي” للحكم في ظروف شظف العيش، ونضوب خزائن الدولة من الجنيه والدولار.. وسعى وكد وكدح في سبيل دارفور.. في ظروف كلها ضده.. فالرجل من مفاخره وعافيته النفسية أنّه لم يقتل حتى عشرة أفراد من أهل دارفور.. بينما قادة الجماعات المسلحة تورطوا جميعاً في قتل مواطنيهم وحرق قراهم.. وانتهاك حرماتهم.. ولكن د.”التجاني سيسي” كان معارضاً نظيفاً، لم يلوّث يديه بالدم، ولا جيوبه بمال السفارات والمنظمات.. لا يملك د.”التجاني” في أرض الواقع مليشيات مسلحة، ولو سعى لها لنهض كل الفور حاملين للأسلحة، طاعة لابن الشرتاي وأحد قادتهم.
كان مؤتمر المانحين الأخير اختباراً آخر لقدرات د.”التجاني سيسي” وعلاقته الخارجية الواسعة، وخبراته التي اكتسبها من سنوات عمل بالأمم المتحدة، في إعداد المشروعات وفق مطلوبات التمويل الدولية، وبعلمية ومنهجية وضعت المانحين أمام خيار واحد، إما التمويل أو التنصل عن الالتزامات السابقة.. وطاف الدكتور “التجاني سيسي” أركان الدنيا وأطرافها لحشد التأييد لمؤتمر المانحين يبتغي ضالته في الحصاد، يوم أن فتحت قطر أبواب التبرع لدارفور، رغم الأسى والحزن في دواخل أهلها.. كيف ولماذا أصبحت بلادهم التي كانت تكسو الكعبة الشريفة تسأل العرب والعجم الطعام والشراب والدواء، منحوها أو رفضوا؟؟
وبدا “علي عثمان محمد طه” النائب الأول للرئيس حزيناً و(محرجاً)، والمانحون متخوفين ومترددين ومشككين في الحكومة المركزية ونواياها اتجاه أية أموال يفترض أن تذهب لإعمار دارفور، ليطمئن “علي عثمان” المانحين بأنهم أحرار في إقرار الصيغة المثلى لإنفاذ مشروعات الإعمار.
ولم تقف جهود د.”التجاني سيسي” عند ملف إعمار دارفور والبحث عن التمويل ولبناء ما خرّبته الحرب، إنما سعى لضم الحركات المسلحة الرافضة لاتفاق الدوحة من خلال توظيف علاقات رجل الأعمال “صديق آدم عبد الله ودعة” بالحركات.. فطافت لجنة “صديق ودعة” تشاد وجنوب السودان ويوغندا.. وأحدثت اختراقاً حقيقياً بحصول “صديق ودعة” على تعهدات من “جبريل إبراهيم” و”عبد الواحد نور” و”مني أركو مناوي” بالدخول في تفاوض مع الحكومة من خلال لقاءات مباشرة، ولكن الخرطوم حتى اليوم لم تصغِ لرجل الأعمال “ودعة”، وحتى الرسالة التي بعث بها د.”جبريل إبراهيم” لبعض رموز الحكومة وقادتها عبر “صديق ودعة” لم يستقبلها منه أحد، كانت الحكومة زاهدة وغير راغبة في طيّ صفحة الحرب في دارفور من خلال وسيط وطني انتظاراً للضغوط الدولية التي تتنزل على الحكومة من خلال القرارات الأممية، فمتى تصغي الحكومة لدكتور “التجاني سيسي” ولجنة الاتصال بالحركات غير الموقعة على الدوحة، وتفي بالتزاماتها نحو اتفاقية الدوحة، قبل أن تطالب المانحين بالوفاء بما تعهدوا به، وقديماً صدر كتاب لمولانا “أبيل ألير” تحت عنوان (التمادي في نقض العهود والمواثيق).