مأزق العدل!
{ في كل التاريخ الإسلامي لم يقف قائد مسلم واحد أمام القضاة ليحكموا له أو عليه إلا سيدنا “علي ابن أبي طالب” كرم الله وجهه الشريف حينما تنازع مع يهودي في درع.. وقاد سلوك سيدنا “علي” بتواضعه وحلمه وعدله اليهودي لاعتناق الإسلام، وبعد تلك الحادثة عقم التاريخ عن مولد قائد مسلم واحد يجعل من ذاته الفانية مساوية لأحد من رعيته.. ولكن حينما تخلع الشعوب حكامها أو تستبدل المؤسسات العسكرية طغاتها بطغاة جدد هم مثلهم تنصب المشانق ويصبح الراكعون والساجدون بأبواب الحاكم من الوزراء والمنتفعين منهم شهود (ملك).. والإسلام والدولة الإسلامية التي تتحدث عنها أبواق الإعلام هي دولة قيم عدلية قبل أن تكون دولة طهارة مجتمعية من الموبقات والرذائل.. وزارة عدلنا في السودان حينما تعقد مؤتمراً تداولياً للإصلاح القانوني إذا لم تعترف بأنها تواجه مصاعب وعقبات وعراقيل في تنفيذ القانون، فإن أي إصلاح مبتغى تسعى إليه الوزارة يضحى كـ(زينة) امرأة بلغت من الكبر عتياً وتمني نفسها بالزواج من ابن عشرين.
كيف لنا أن نباهي وسط الأمم ونحدث الدول الغربية عن العدالة في النظام الإسلامي ونقدم مرافعة مقنعة في اجتماعات حقوق الإنسان في (جنيف) وكل العالم يشهد بأن خمسمائة مواطن تم قتلهم في دارفور خلال أسبوع واحد في نزاع حول الذهب، والدولة عاجزة عن القبض على (جاني وحيد) ولم تقدم مجرماً واحداً للمحاكمة؟ كيف تقنع الآخرين بأن حقوق الإنسان هنا في الصون والحفظ والموت الزؤام يحصد الأرواح! كيف نقيم الحجة على الآخرين وطلاب جامعة الجزيرة الذين ماتوا غرقى في مياه الترعة حتى اليوم لم تحدد السلطة هل انتحر الطلاب من تلقاء أنفسهم؟ أم بفعل فاعل؟ وماذا عن الإجراءات التي اتخذت؟؟ وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي نلعنها صباح مساء يتم محاكمة الرئيس “كلينتون” لأنه كذب على المحققين في قضية فتاة مارس معها الفاحشة مع موظفة في البيت الأبيض. وجاءت محاكمته لأنه كذب وأنكر علاقته (بمونيكا) بينما نحن هنا لم (نفهم) أبعاد القضية وطفقنا نتحدث عن الرئيس الداعر.. بينما الدعارة في ثقافة الغرب حرية شخصية.
والسيد رئيس لجنة الحسبة والعمل في البرلمان د.”الفاتح عز الدين” يقول للصحف إن بعض المسؤولين في الدولة نهبوا المال العام ونجحت الدولة في استرداد المال المنهوب ولا يستطيع السيد “الفاتح عز الدين” ذكر أسماء هؤلاء.. ولا القرارات التي اتخذت بحقهم بعد استرداد المال العام الذي نهبوه؟ وهل من ينهب المال ويعيده للخزانة العامة بعد اكتشاف أمره أدعى بالتنحي والإبعاد من الوظيفة؟ أم نكافئه بفقه (السترة) الذي بات الفقه الوحيد الذي يتم تطبيقه في الدولة.
{ حينما يشعر مواطن في “قارسلا” أو “خور أربعات” أن عدالة الدولة ستبلغه أينما كان وسيف الحق مشرع في وجه الظالمين لن يجرؤ على حمل السلاح ضد الدولة.. وحينما تلقي الأجهزة الأمنية والشرطية القبض على القتلة وقطاع الطرق مثلما حدث في “الضعين” أمس الأول تجف منابع الموت ويشعر الناس بالطمأنينة، ولكن حينما تصبح الحكومة قوية في الخرطوم فقط وباطشة بالبائسات من بائعات الشاي في الطرقات ولا تملك القدرة أو الرغبة في ردع من يقتل (500) شخصاً.. وينهب الممتلكات ويستهدف القاطرات فإن الحكومة تصغر وتصغر حد التلاشي.