الاعمدةرأي

إمام محمد إمام يكتب : السودانُ يُودِعُ الإمامَ عِنْدَ عزيزٍ مقتدرٍ (3-4)

بحصافة – يوم الجمعة 2020/12/4

بحصافة

السودانُ يُودِعُ الإمامَ عِنْدَ عزيزٍ مقتدرٍ (3-4)

إمام محمد إمام
i.imam@outlook.com

حرصتُ أيمَّ حِرصٍ في هذه العُجالات الرثائية، على أن استعرض جوانب عدة من حياة، السيد الصادق الصديق عبد الرحمن محمد أحمد المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام كيان الأنصار، الذي تُوفي إلى رحمة الله، يوم الخميس 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إثر إصابته بمرض الكورونا (كوفيد 19)، عن عُمرٍ قارب الـ85 عاماً، أي قبل شهرٍ، مما اعتاد عليه أهلوه وأصدقاؤه، ومناصروه – سياسةً وإمامةً -، وعارفو فضله وجهاده، من الاحتفاء بيوم مولده، في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) من كل عامٍ. وإثر اعتلال صحته بذاكم المرض، نُقل في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بُغية تلقي المزيد من العناية والعلاج هناك، ولكن كان أمرُ الله نافذٌ فيه، تصديقاً لقول الله تعالى “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ”.
سألني بعضهم إن كنتُ سأكتب مرثية عن السيد الصادق المهدي، لا سيما وأني كتبتُ مرثياتٍ عديدةٍ في الفترة الأخيرة، مما دفع أخٌ كريم، وصديقٌ حميمٌ، وقارئٌ فهيمٌ، إلى نُصحي بجمع مرثياتي، قديماً وحديثاً، في مؤَلَفٍ جامعٍ، فأجبتُ سائلي بنعم، وأبنتُ له حقيقةَ أني أكتب مرثياتي، إما في صدارة الكاتبين، أو أتسي فيها بفقه موسى عليه السلام، مع سحرة فِرعون، فأكتبها بأخرةٍ. فها أنا ذَا، أكتبها من مدينة داتفورد بمقاطعة كنت Kent في جنوب إنجلترا، حيث أقضي أسبوعيّ الحجر الصحي المنزلي القسري، بسبب جائحة الكورونا (كوفيد 19)، وهنا مسألة الاحترازات الصحية في غاية الشدة والصرامة، وقرأتُ في الصحف البريطانية، إن إحداهن خالفت هذه الاحترازات الصحية، فحُكِمَ عليها بعشرة آلاف جنيه إسترليني، ولمَّا كنتُ قادمٌ من السودان لتوي، قلتُ لبناتي وأسباطي، بعد أن حوَّلت العشرة آلاف جنيه إسترليني إلى عُملة سودانية، أتعلمون كم تعادل بالعملة السودانية؟! أنها تعادل ثلاثة مليارات وأربعمائة مليون جنيه سوداني! لله درك يا سودان، وحفظ أهليك من جائحة الكورونا، حيثُ التراخي في الالتزام بالاحترازات الصحية، والموت بالكورونا يحصد خيارنا يوماً بعد يومٍ، ومن بينهم السيد الصادق المهدي!
ولا أجدد مبرراً، لتغافلِ كثيرٍ من السودانيين في مثل هذه المواضع، لقول الله تعالى: “وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
أحسبُ أن السيد الصادق المهدي، في سبيل الديمقراطية، تحمل في صمتٍ الكثير من الاتهامات والأباطيل، ولمَّا كثر الحديث عن تردده في اتخاذ القرار، والإبطاء في حسم المواقف الصعبة، لم يجد مناصاً، بعد طول صمتٍ، إلا أن يدفع عن نفسه تلكم الاتهامات والأباطيل، لا سيما بعد أن بدأ يتندر بعضهم بها عليه، جهاراً نهاراً! فدافع بنفسه على مثل هذه الاتهامات، بقوله: إنه في النظام الديمقراطي لا ينبغي اتخاذ قرارٍ أُحاديٍ متسرعٍ، أو الإعلان عن حسم موقفٍ في أمرٍ جللٍ، دون كثير تشاورٍ، والتدبر في النتائج والتداعيات التي يُسْفِرُ عنها ذلكم القرار، أو ذاكم الموقف، بإعتبار أنه في النظام الديمقراطي، من الضروري مراجعة التداعيات، وتفادي المحاسبات، على عكس النظام الشمولي. فالقرارُ كان صائباً أو خائباً، تداعياته لا تقع على متخذيه وحدهم، بل على الشعب بأسره! ويُمكن أن يكون السيد الصادق المهدي، أكثر الساسة السودانيين، تعرضاً للشائعات، حتى في حياته الخاصة، ولكنه صبر واصْطَبِر عليها، ولم يكترث بها، مُنزلاً على نفسه، قول الله تعالى: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ”. ولم يراعِ أولئك الشائنون، قدر الرجل، ومكانته بين قومه، حتى مرضه الذي مات به، لم يسلم من القيل والقال! إذ ذهب بعضهم إلى أنه مرضٌ سياسيٌ، وعندما نُقل إلى الإمارات، أشاع بعضهم ظلماً وبهتاناً – لعنهم الله – أنه ذهب إلى هناك للتفاوض في أمر إسكات صوته الجهير ضد التطبيع! وما دروا بدنو أجله،
“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ”. ولم يعلموا قرب الموت منهم!
فلا عجب، أن لخص أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي المذحجي، المعروف بأبي نواس، قرب الموتِ منا في قوله:
المَوتُ مِنّا قَريبٌ وَلَيسَ عَنّا بِنازِح
في كُلِّ يَومٍ نَعيٌ تَصيحُ مِنهُ الصَوائِح
تَشجى القُلوبُ وَتَبكي مُوَلوِلاتُ النَوائِح
حَتّى مَتى أَنتَ تَلهو في غَفلَةٍ وَتُمازِح
وَالمَوتُ في كُلِّ يَومٍ في زِندِ عَيشِكَ قادِح
فَاِعمَل لِيَومٍ عَبوسٍ مِن شِدَّةِ الهَولِ كالِح
وَلا يَغُرَّنكَ دُنيا نَعيمُها عَنكَ نازِح
وَبُغضُها لَكَ زَينٌ وَحُبُّها لَكَ فاضِح

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية