الديوان

"أبو داؤود" الصغير يحكي مشوار الإبداع في البيت الكبير ومواقفه مع الوالد الفنان..

 يحمل ذات الشبه المهيب البشوش، دواخله مفعمة بالإبداع والفن والعلم، ليقول لنا (هذا الشبل من ذاك الأسد)، إنه نجل الفنان الأسطورة الراحل “عبد العزيز محمد داؤود”، الموسيقار (داؤود) الابن الثاني للراحل ما بين إخوانه الثلاثة، التقيناه في حوار مطول تحدث فيه عن قصة الفن في البيت الكبير، وعن مشواره ما بعد رحيل الوالد وعن حصاد الغربة.
الموسيقار “أبو داؤود” الصغير ذاع صيته عالمياً وغاب محلياً، الأمر الذي لم يمكن الكثيرين من الوقوف على تجربته، فهو شخصية متعددة المواهب في مجالات شتى، الموسيقى، الإعلام، الإذاعة والأدب وغيرها، يحمل في دواخله ذات روح الدعابة والمرح التي يتحلى بها والده الفنان “عبد العزيز محمد داؤود”.
(داؤود) يتوسط إخوانه الثلاثة “عمران” و”علاء الدين” و”عزام” وأخواته “عمرية” و”عازة”، فهو من أكثر أبناء الراحل المقيم شبهاً لوالده، كان كما قال أكثر التصاقاً وقرباً وحميمية به.
التقينا بـ(داؤود) في أول حوار صحفي محلياً وهو يتأهب لعودة إلى مقر إقامته بـ(لندن) بعد إجازة قضاها بين أهله في السودان بـ(حي الدناقلة شمال) ببحري، وبمنزل الأب الراحل كان اللقاء الشائق.
بدايات فنية..
عرفنا “داؤود” إلى نفسه وكونه نشأ في بيت فني عريق بـ(حي الدناقلة شمال) بعدما وضعته أمه رحمة الله عليها “فوزية محمد حسين عبادي” بمدينة (جوبا) المنفصلة عن البلاد، وصغيراً عادت به لبيتها ببحري، ومنذ السابعة تعلم “داؤود” العزف على آلة العود، واهتم بالفن الذي تأثر به من والده، وهو في المرحلة الثانوية التحق بقصر الشباب والأطفال ليتعلم الموسيقى واتجه لدراسة آلة (كونترباص) وتخصص في البيز والجيتار.
ترك الموسيقى وولج الإعلام..
سافر “داؤود” إلى (الدنمارك) وفي (جامعة كوبنهاجن) درس الإعلام والآداب تخصص (تراث وفلكلور العالم الثالث) وهو ما يختص عموماً بثقافة الرجل الأسود، وبعدها غادر (الدنمارك) ليحضر الدراسات العليا في (كاليفورنيا) بأمريكا، وعاد لأوربا ليعمل في الإعلام ويصبح أشهر مذيع في أوربا الشرقية.
وريث الوالد..
حدثنا “داؤود” بتشوق عن اهتمامه بدراسته لهذا المجال النادر المهم للفن وحبه للموسيقى الذي كسبه بلا شك من والده الراحل، كان له أثر في اختيار مجال الإعلام الذي يمكن أن يبدع فيه الإنسان ويكتشف مكامن الإبداع عند الآخر، فضلاً عن رغبته واستفادته من العلامة وصديق والده الراحل البروفيسور (علي المك) رحمه الله والذي كان سبباً في أن يدخل هذا المجال المتضمن أيضاً الفلكلور والتراث، ويمضي ليقول: (إن “علي المك” أستاذ الأدب الانجليزي بجامعة الخرطوم وكاتب القصة القصيرة وصاحب الكتابات العظيمة المتخصصة في قصص السود والزنوج الأمريكان وموسيقاهم، إضافة إلى كتاباته وبحثه في الموسيقى السودانية واهتمامه بثقافة الشعوب والرسم، أثر كل ذلك في شخصيتي، لأنني قرأت كتبه مبكراً وأُعجبت بها وقد كان سبباً في دخولي المجال).
محطة (كوبنهاجن)
قبل أن يبحر بنا “داؤود عبد العزيز” في رحاب عالمه الفريد والمليء بالعلم والإبداع الذي أدهش الأوربيين، أكد أن نظرة الغرب للأفارقة كانت وما تزال دونية تحس بأن الإفريقي القادم إليها أياً كان في نظرها تحفه المشاكل، حياته عبارة عن مخدرات ولا يفكر ومشكلته الأساسية ملء بطنه ليعيش فقط، مضيفاً أن السود في أوربا تحديداً يوصفون بأنهم لا أكاديميين ولا يسعون لتطوير عقولهم، ويزيد في حديثه أنه بعد دراسته بجامعة (كوبنهاجن) التي التحق بها ما بين (1989_1990م) كان يفكر ويسعى دائماً ليثبت شخصيته على أنه سوداني وإفريقي طموح، خاصة وأن الجدارة والكفاءة هما اللتان تميزان الرجل الأسود هناك. ويمضي ليوضح أن بدايات عمله في هذا المجال الإعلامي كانت بإذاعة (جامعة كوبنهاجن) التي درس بها وقدم بحث تخرجه عن (كراهية الرجل الأسود للأبيض)، وفي السياق قدم مقترحاً لبرنامج إذاعي، ومن حسن حظه يقول إن مدير الإذاعة وافق عليه كونه عاش وعائش الأفارقة في (غانا)، وكان متأكداً أن منهم المبدعون في شتى المجالات، وحينها كان “داؤود عبد العزيز محمد داؤود” أول إفريقي يعمل في إذاعة بـ(الدنمارك)، ومن ثم التلفزيون وأوربا الشرقية عامة، وغادرها إلى غير عودة بعد الرسومات المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) لتلك الصحيفة التي كان يعمل بها.
(د. ليفنجستون) بداية لعوالم الشهرة..
في ذات الجانب يؤكد أن إجادته للغة الدنمركية ساعدته كثيراً في توصيل أفكار برنامجه الذي اختار له اسم (د. ليفنجستون)، وعبره حاول تثقيف الناس هناك عن الرجل الأسود، يأتي فيه بشخصيات ذات قيمة فنية عظيمة، تعكس وجه الأسود المشرق، نجح البرنامج وأضحى مشاهداً ويُبث في عددٍ من الدول الأوربية منها (السويد، النرويج، اسبانيا وألمانيا)، كما أن فكرته تمددت لتسع التعريف بثقافة عددٍ من الشعوب التي وثق لها في كل من آسيا كـ(اندونيسيا وسنغافورة) وأمريكا اللاتينية (كوبا وكولومبيا)، وأشار هنا إلى أن شعب (كوبا) من أجمل الشعوب التي صادفها بالعالم وألطفها، يحبون الرقص والغناء والفن، هذا بجانب إفريقيا السمراء الساحرة وطوافه في كل من (جنوب إفريقيا وغانا والسنغال وأثيوبيا والمغرب وغيرها)، إضافة إلى عمل حوارات مع الطلاب الأفارقة في الجامعات الأوربية. “داؤود” تعلم لغات عدد من الشعوب ليزيد التواصل منها (الاسبانية واللاتينية والسويدية والسواحيلية) بجانب الانجليزية.
والعبودية في (تنزانيا)، كان قد أحب إفريقيا وتزوج منها ومات فيها، وقد أرخ لإفريقيا ولديه ما يقارب الـ(20) كتاباً عن الرجل الأسود. ويوضح “داؤود” أن “ليفنجستون” رغم ذلك كان له ضلع كبير في تجارة الرقيق الأفارقة، ويضيف: (اخترت زاوية “د. ليفنجستون” دون أن أتحدث عنه، والأوربيون يعرفونه جيداً، ووجد البرنامج رواجاً وانتشاراً إلى أن أصبحت به إعلامياً معروفاً بشمال وشرق وغرب أوربا)، ومن ثم وجد “د. ليفنجستون” مكانة طيبة ومرموقة في التلفزيونات الأوربية حتى حاز على جائزة أفضل مذيع ومقدم برامج في العام 2002م في شمال أوربا، وفي هذا أشار إلى أن أغلى مذيع في أوربا عامة الزنجي الإفريقي “ترفا نيلسون” أتاه وهنأه على برامجه القيمة التي غيرت النظرة السلبية للرجل الأسود وأظهرت إبداعه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية