الخلافة من جديد!!
{ وضع عدد من السياسيين المنضوين تحت لواء المؤتمر الوطني، خيارات تأجيل المؤتمر العام للحزب المزمع عقده في أكتوبر القادم، تجنباً لأي تداعيات أو حيثيات تضعف عمل مؤسسة الرئاسة، خاصة وأن البلاد مقبلة على تسويات سياسية وتفاوضات خارجية من أجل الخروج من عنق الزجاجة التي تضيق علينا صباح كل يوم.
{ وتأجيل المؤتمر العام قد يكون أحد الخيارات التي تصب في إطار المصلحة العامة، ولكنه في ذات الوقت يمنح آخرين إحساساً بعدم جدية الحزب الحاكم في توضيح رؤيته للسنوات القادمة، المتعلقة برئاسة الدولة على وجه التحديد، خاصة وأن ما يدور في المجالس السياسية يشير إلى صراع خفي حول القضية التي أضحت الأبرز على كل المشهد السياسي، مما يعني ضمناً أن المؤتمر الوطني لا خيار له إلا بقيام مؤتمره في وقته المحدد، ورفع توصياته وتحديد رئيسه وإغلاق هذا الملف.
{ بعض المتعقلين يرون أن الخيار الأمثل حتى هذه اللحظة هو الرئيس الحالي المشير “عمر البشير”، خاصة وأن الكاريزما التي يتمتع بها، بالإضافة إلى القبول الذي يجده من كل شرائح الشعب السوداني، بمن فيهم المعارضون وحاملو السلاح، يجعله الخيار الأفضل والأقوى من كل الأطروحات المتواجدة في ساحات المؤتمر الوطني، رغم أن الرئيس قد اعتذر في لقاءات سابقة وأبدى رغبة أكيدة في التنحي والاكتفاء بالفترة التي قضاها في أضابير القصر الجمهوري، ولكن مقتضيات السياسة تستدعي أن يتم التشاور مع المشير “البشير” من أجل دورة استثنائية قادمة، حتى تضع الإنقاذ لمساتها الأخيرة في إدارة الحكم بعد مشوار طويل من الأزمات، ليكتمل المشهد بصورة متميزة، تؤطر لتلك المجهودات المتعلقة بالعمل السياسي الذي دام أكثر من عشرين عاماً.
{ ويبدو أن هناك اتجاهاً لإسناد أمر ترشيح الرئيس لمجلس شورى الوطني، وهنا أجد نفسي معارضة لهذا المقترح وبشدة، إذ أن التفكير يمنح إحساساً غير محبب، تماماً كما حدث في ترشيح الأمين العام للحركة الإسلامية، والتداعيات التي صاحبت المؤتمر، لأن البعض ما زال يعتقد أن القضية مدبرة وغير خاضعة للديمقراطية التي ظلت السمة الأساسية في كل القرارات التي يدفع بها المؤتمر الوطني، لذا فإن شيوخنا لا بد أن ينصب عملهم في التوجيه والإرشاد والنصح، لأن الدخول في قرارات مفصلية يغير اتجاه المفهوم العام الذي شكل حول هذه المجموعة.
{ وتأخير المؤتمر العام للحزب غير مجد، خاصة وأن هناك عدداً من القضايا تحتاج إلى رؤية واضحة تتشكل من خلالها معالجة كثير من الثغرات التي باتت تطفح على ساحات الحزب الحاكم، الأمر الذي يتطلب معالجات سريعة من خلال الطرح الجاد داخل قاعة المؤتمر العام. لذا فإن القضية محسومة بدورة جديدة للرئيس “البشير”، ومن ثم لكل حدث حديث.
{ قال لي أحدهم إن في القوات المسلحة شخصيات ذات خبرات متميزة وحضور قوي وثبات، يمكنها أن تكون خير خلف إن أصر الرئيس “البشير” على الابتعاد. فقلت له إن خيارات الرئيس قد تكون هذه المرة من خارج القوات المسلحة، ففي العمل السياسي شخصيات قادرة على التسيير بصورة مشرفة، على أن تظل القوات المسلحة حضوراً يتشكل من خلال مؤسسات أخرى، ويبدو أن الخلاف هنا سيكون أطول من ليل العاشقين، لأن الحذر الذي يضعه البعض حول ابتعاد كرسي الرئاسة من القوات المسلحة، حسب وجهة نظري، غير دقيق، ولا أعتقد أن ابتعاده عن هذه المؤسسة قد يخصم منها أو يدفع بالمنضوين تحت لوائها إلى التمرد، لأن السودان الآن محكوم ديمقراطياً وليس عسكرياً، فالنظرة للقضية من هذه الزاوية تجعلنا ندور في إطار ضيق قد يمارس الاختناق علينا جميعاً.
{ المؤتمر الوطني وحده من يملك هذا الحق، ليقرر من سيكون خليفة الرئيس “البشير” إن أصر الرئيس على مغادرة المقعد، وحينها فإن الحراك لا بد أن يكون مختلفاً من أجل وضع سياسات جديدة وتعديلات جذرية، تعيد توازن المشهد السياسي، وتستوعب المؤسسة العسكرية، وتعالج القضايا الخلافية التي اعترضت عليها الأحزاب، حتى نشهد انتخابات عادلة ترضي كل التطلعات.