مأساة السريف
خمسمائة قتيل هي حصيلة الصراع في منطقة السريف بني حسين بين (الرزيقات الأبّالة) والبني حسين (البقّارة)، واثنا عشر ألفاً من المواطنين نازحون تحت ظلال الأشجار ينتظرون أن تجود عليهم دولتهم بحماية من تبقى منهم على قيد الحياة بعد أن حصدت مدافع الدوشكا خمسمائة قتيل في شهرين فقط.. والصحافة السودانية تنشر أرقام القتلى والجرحى بالعناوين الحمراء الكبيرة والشارع العام لا تطرف له عينٌ لما يجري داخل الوطن من مأساة وقتل بشع، وانتهاك للحرمات، وتلفزيون السودان يبث تقريراً يستغرق دقيقتين في نشرة العاشرة عن مقتل (3) سوريين في انفجار بالعاصمة دمشق.. وجرح سبعة آخرين إثر غارة بالطيران على بلدة حماة، نفذتها عصبة الرئيس الأسد الحاكمة، ولا تدمع شاشة تلفزيون السودان لمأساة داخل الوطن وكل الصحافة الوطنية (قاعدة) في الخرطوم لا تكلف نفسها مشقة السفر للسريف بني حسين، لتنظر بعينها كيف أصبح الإنسان في دارفور (رخيصاً) وأرواح المواطنين مشاعة لعصابات القتل وزرع الرعب.
أشعر شخصياً بوخز الضمير والإحساس (بالتقصير) وأنا هنا في الخرطوم أنعم بدفء الأسرة والحياة المستقرّة، وعلى بعد أميال محدودة داخل وطني يموت السكان بالآلاف، ولا ينتقل قلمي للسريف بني حسين، ليرسم لمئات الأمهات اللاتي فقدن فلذات الكبد وللآباء المجروحين في نفوسهم، وللأطفال الزغب الحواصل ينادون: (بابا.. بابا) وآباؤهم قد حصدت أرواحهم الآلة العسكرية العمياء، ومليشيات تزرع الرعب في قلوب الآمنين.
أين حكومة شمال دارفور وغربها؟؟ بل أين الحكومة الاتحادية المركزية التي تحدثنا كل يوم عن (إنقاذها) لشعب السودان عام 1989 من الهلاك والموت؟؟ هل ما يحدث الآن في السريف لا يشكل مدعاة ليناشد الأهالي الإنقاذ مجدداً بعد (تراخي) المركز عن مهامه، واكتفى السطان “عثمان يوسف كبر” بمساعدة الأهالي في دفن القتلى ونقل الجرحى الذين بلغ عددهم في يوم واحد 83 جريحاً لتقلي العلاج في الفاشر، ومهمة الولاية والحكومة الاتحادية حماية المدنيين بعد أن (فرطت) بتساهلها طوال الفترة الماضية.. لن يحترم المواطنون الدولة ويهابوها إن لم تلقِ القبض على المجرمين الذين ارتكبوا مذبحة (السريف) ونصبت لهم المحاكم بالعدل والقسط ليطمئنّ ما تبقى من سكان دارفور أن الدولة التي يدفعون لها الضرائب وهم (صاغرون) وتأخذ منهم الزكاة وهم راضون مستسلمون لأداء فريضة ربانية، هي دولة تؤمنهم من خوف، وتطعمهم من جوع .. وقد تخلت الدولة في دارفور عن وظيفتها وتركت القوي يصرع الضعيف .. والقادر ينهب مال العاجز، والكبير يطأ بحذائه رأس الصغير.
مأساة السريف بني حسين تضاف لمآسٍ أخرى حلت بدارفور منذ نشوب الحرب في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي وفشلت الدولة تماماً في حلّها، بل أصبحت المجموعات التي تساند الدولة تهددها.. والمجموعات التي توقع مع الحكومة اتفاقاً هي أول من يصوب بندقيته نحو صدرها.. وحتى يندمل الجرح الغائر في نفوس مواطني السريف بني حسين فإن العلاج الذي ينتظره أسر الضحايا هو ما قال به النائب الأول لرئيس الجمهورية (Shoot to kill) المجرمين طبعاً الذين ينتهكون ما أمر الله بصونه!!