.. يا ليت المتخالفين بين جناحي المعارضة وأنصارها من جهة والحكومة ومؤيديها من الجهة الأخرى يدركون بأن لا عدو بين أهل الوطن الواحد الذين يعيشون في أرض واحدة ونيل واحد و يتشاطرون مصيراً واحداً إن كان شقاءً مؤلماً أو سعادة راغدة وَيَا ليت الجميع من بين هؤلاء وهؤلاء يوقنون بأن المنتصر منهم إن انتصر فهو الأخ والشقيق والأم الرؤوم والأب المثابر وأن المنهزم منهم إن انهزم فهو ذاتهم الذي كافح ونفسهم التي ناضلت .. لا شيء يعطي لهذا الفريق ميزة الزهو والافتخار إن انتصر ولا سبة و خيبة تلحق بالآخر إن انهزم .. إذاً فلماذا كل هذا الاصطراع الذي قاد أخيراً لإبراز أسوأ مشهد مواجهة بين أبناء البلد الواحد .. الغريب أن تاريخنا السياسي والاجتماعي ومنذ قبيل استقلالنا في منتصف القرن الماضي قد حفظ لنا صورة مشرفة ونبيلة بين أهل الخلاف. وقد كان هنالك رجال كبار يعرفون معنى الوطن والتسابق لبنائه بإخلاص وتجرد، دون الوقوع في شرك التخاصم والاحتراب الذي يسعى فيه كل طرف لإلقاء الآخرين المناوئين له في عرض البحر .. و لعل الأسوأ الذي بدأنا الآن نعايشه في ظل الحالة الراهنة أن يتبادل أطراف التخاصم كل كلمات التشاحن و التباغض دون أي اعتبار لحقيقة الانتماء الواحد والمستقبل المشترك، وهو أمر يتحمل وزره وبالتأكيد من لا زال يمسك بقيادة هذه الأطراف المتناحرة وأياً كان حجم الصراع وكبرت مساحة التباعد وعمق هوة الخلاف فإن هذا كله لا يبرر احتقار كل طرف للآخر على هذا النحو المقلق الذي تتبادل فيها الكلمات النابية والقبيحة التي تنفر الأذن وتستحيي من الاستماع إليها .. ولعله من المؤسف بحق أن لا ينبري الصالحون من أبناء الوطن لمحاولة الإصلاح بين المتعاركين وإعادتهم إلى روح الخلاف المحمود وأخلاق الاختلاف المستنير الذي أصله حب أرض واحدة وعشق وطن واحد ..