قضية أبيي قانونية حسمها اتفاق مشاكوس الإطاري ولكن!
نص الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بالضاحية الكينية (مشاكوس) بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على أن الحدود الفاصلة بين شمال السودان وجنوبه هي حدود أول يناير 1956م، هذا الاتفاق السياسي شكل المرجعية الأساسية لاتفاقية نيفاشا (الكارثة)، أي خرق لهذا الاتفاق الإطاري يشكل خرقاً قانونياً لاتفاقية السلام الشامل، ويمثل برتوكول أبيي وبرتوكول جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق أول خرق لاتفاقية السلام الشامل قبل التوقيع عليها! وكان ينبغي على الحكومة أن لا تقوم بتوقيع هذه البرتوكولات التي تختص بمناطق شمالية، وحسن النية الذي لا يعبر عن رؤية إستراتيجية الذي تعاملت به الحكومة في هذا المجال هو الذي قاد لتعقيد هذا النزاع القانوني الذي لم يحسمه التحكيم الدولي الذي لجأ له الطرفان. تدويل القضية بدأ بقبول الحكومة بمتقرح “ثابو أمبيكي” الذي ضم منطقة أبيي لجنوب السودان قبل إجراء عملية الاستفتاء. الاتحاد الأفريقي الذي لجأت له الحكومة خوفاً من التدويل خذلها بانحيازه لحكومة الجنوب التي يعتبرها أفريقية كاملة الدسم!.
قضية أبيي تمثل نموذجاً لفشل السياسيين الذين أصبحوا يصنعون الأزمة ويفشلون في حلها حيث إنه ليس هنالك أي مبرر لفتح اتفاقية السلام الشامل للنقاش وتوقيع برتوكول خاص بأبيي وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. البرتوكولات الثلاث تعتبر خارج اتفاقية السلام الشامل التي أعطت الجنوب أكثر مما يستحق، إصرار الحركة الشعبية على توقيع هذه البرتوكولات الثلاثة التي تمثل مناطق شمالية حسب الاتفاق الإطاري (بمشاكوس) وقبول الوفد الحكومي المفاوض على ذلك قاد الحكومة للموقف الحرج الذي أصبحت تعيشه الآن حيث إنها أصبحت تقف في مواجهة المجتمع الإقليمي والدولي، هذا بالإضافة إلى المجتمع المحلي إذا ما فرطت في قضية أبيي!.
إصرار الحركة الشعبية على توقيع هذا البرتوكولات بعد حسمها لقضية الجنوب كان القصد منه استمرارية النزاع والصراع بين الشمال والجنوب على حسب المخطط الذي رسمته الصهيونية العالمية لتمزيق وحدة البلاد، توقيع البرتوكولات الثلاثة عبارة عن شرك نصبه المجتمع الدولي بالتنسيق مع المجتمع الإقليمي ووقعت فيه الحكومة دون أن تدري بهذا الفخ وهو أكبر خطأ استراتيجي لها. انفصال الجنوب يمثل قمة الفشل السياسي للحكومة وتوقيع البرتوكولات الثلاثة يعني اختلال بوصلتها السياسية! الحكومة جربت الحلول السياسية وفشلت فيها وجربت التحكيم الدولي ولم تحقق فيه كسباً وجربت العسكري الذي حقق لها نجاحات مقدرة كان يمكن أن تقود إلى سلام دائم إلا أنها تراجعت عن ذلك الحل الذي يعتبر مفتاحاً للحل السياسي الذي تنشده، الحل السياسي الذي لجأت له الحكومة جعل شمال السودان مسرحاً للحرب الجديدة بعد أن استطاع “قرنق” بذكائه تحويل الحرب الجديدة إلى شمال السودان عن طريق توقيع البرتوكولات الثلاثة، وإصرار الحركة الشعبية على عدم فك الارتباط بقطاع الشمال (الفرقة التاسعة والعاشرة) يعتبر أكبر مؤشر على سوء النوايا المبيتة ضد وحدة السودان تنفيذاً للمخطط المرسوم لها للقيام به بعد انفصال الجنوب. الآن الحكومة تسعى للمفاوضات الشعبية بين أهل المصلحة الحقيقية، قبائل المسيرية ودينكا نقوك ولكن مثل هذه المفاوضات الشعبية لا تصلح لمعالجة قضايا الأرض والحدود التي هي مسئولية الدول والحكومات. خلاصة القول إن حكومة الجنوب حسمت أمرها على تدويل قضية أبيي وبقية القضايا الأخرى العالقة لقناعاتها التامة بأن المجتمع الإقليمي والدولي يدعمها، الموافقة المفاجئة لحكومة الجنوب بقبولها لتشكيل إدارية أبيي وموافقتها على رئاسة المسيرية للمجلس التشريعي تأتي بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية لتفادي جوبا لاتهامها بعرقلة تنفيذ اتفاقية التعاون المشترك، أما زيارة “باقان أموم” الأخيرة للخرطوم فقد جاءت هذه الزيارة وكأنه مبعوث دولي ليعلن من الخرطوم نبأ تصدير بترول الجنوب عبر الشمال خلال ثلاثة أسابيع مع عدم التزام حكومته بتسريح الفرقتين التاسعة والعاشرة، لقد صدر هذا الإعلان من جانب واحد وكان ينبغي أن يصدر من خلال بيان مشترك أو مؤتمر صحفي مشترك للطرفين. الإعلان المنفرد لهذا القرار يعني رضوخ الخرطوم للضغوط الدولية وفقدانها لمصداقيتها السياسية بعد أن أصبحت مع بداية كل جولة مفاوضات جديدة تتراجع عن كل قرار اتخذته أو موقف سياسي أعلنته! مجلس الأمن الدولي الذي سيرفع له الاتحاد الأفريقي هذه القضية تفادياً للحرج فإنه سيضغط على الطرفين للقبول برفع القضية لمحكمة العدل الدولية بلاهاي، وهذا يتطلب من الحكومة جمع كل الوثائق التي تثبت ملكيتها وتحفظ لها حقوقها التاريخية بالمنطقة. على الحكومة تفعيل الوساطة الروسية للخروج بأقل خسائر ممكنة من هذه الأزمة التسوية السياسية بتقسيم منطقة أبيي بين البلدين على أن يكون بحر العرب فاصلاً بينهما تمثل حلاً سياسياً وسطاً يحفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة. قضية أبيي نزاع قانوني عقدته المفاوضات والتنازلات التي قدمتها الحكومة من أجل الوصول إلى سلام كاذب. المفاوضات التي لجأت لها الحكومة حولت النزاع إلى نزاع سياسي ربما يعود بنا إلى المربع الأول. ختاماً على الحكومة التمسك بآخر كروتها التي يمثلها عدم موافقتها على تصدير بترول الجنوب عبر أراضيها إلا بعد حل كل القضايا العالقة، وبالله التوفيق.
فريق أول ركن
حسن يحيى محمد أحمد
زمالة كلية الدفاع الوطني
أكاديمية نميري العسكرية العليا