قبيلة (السيد الوزير..) (5)
أطلّ في ضحى اليوم الثالث من شهر نوفمبر 1964م السيد “سر الختم الخليفة” رئيس الوزراء المتفق عليه في جبهة الهيئات (التي كانت تمثل الإرادة الشعبية باعتبارها ممثلة للأحزاب والنقابات والهيئات كافة)، يعلن التشكيلة الأولى لحكومة أكتوبر الأولى – (في سنة واحدة تكوّنت ثلاث حكومات) – وتكوّنت الحكومة من (15) وزيراً، واستمرت هذه الحكومة لمدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر (عدّة المطلقة بزيادة نصف شهر) وتكوّنت من:
“سر الختم الخليفة” رئيساً للوزراء، “مبارك زروق”، “محمد أحمد محجوب”، (كلمنت أمبورو وأزبوني منديري)، “رحمة الله عبد الله”، “أحمد سليمان”، “عبد الرحمن العاقب”، د. “أحمد السيد حمد”، “الأمين محمد الأمين”، “عبد الكريم ميرغني”، “محمد صالح عمر”، “خلف الله بابكر”، “عابدين إسماعيل” و”الشفيع أحمد الشيخ”.
هذه الحكومة تمثل فيها حزب الأمة، والاتحادي الديمقراطي، وجبهة الميثاق، والحزب الشيوعي واتحاد المزارعين، واتحاد نقابات السودان والتكنوقراط.
دعنا الآن نفصّل القول بالتعريف بهذه الشخصيات..
{ السيد “سر الختم الخليفة الحسن”.. ولد بالدويم في 1917م.. وتخرج في قسم كلية المعلمين بكلية غردون في 1937م، ثم أُوفد في بعثة دراسية بكلية (إكستر) بجامعة (أكسفورد) في الفترة من (1944 – 1946م)، ثم عاد إلى السودان وأصبح باشمفتش تعليم المديرية الاستوائية بجوبا في الفترة (1950 – 1957م)، ثم أصبح مساعد تعليم المديريات الجنوبية ( 1957 – 1960م)، ثم عميداً للمعهد الفني (1960 – 1964م)، ثم رئيساً للوزراء في ثورة أكتوبر.. واُختير سفيراً خلال (1966 – 1968م)، ثم مستشاراً للرئيس “نميري”.
{ “مبارك زروق”.. والسيد “محمد أحمد المحجوب” سبق الحديث عنهما.
{ “رحمة الله عبد الله”.. من مواليد 1918م.. أكمل دراسته بكلية غردون ونال درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة كمبردج.. ثم عمل بالتدريس.. ثم التحق بمشروع الجزيرة مفتشاً في العام 1925م، ثم انتقل إلى السلك الدبلوماسي وأصبح سفيراً.. وعمل في الهند وفرنسا في الفترة من (1963 – 1964م)، وعمل نائباً لوكيل وزارة الخارجية، ثم عُيّن في أكتوبر وزيراً للمعارف، ثم في نوفمبر 1964م عاد إلى وزارة الخارجية.
{ “أحمد سليمان” المحامي.. ولد بأم درمان في 1924م، ودرس بها حتى المرحلة الثانوية، ثم عمل معلماً ببورتسودان الأهلية الوسطى.. ثم التحق بالمدارس العليا قسم الآداب، ثم سافر إلى مصر والتحق بكلية القانون بجامعة (الملك فؤاد) – جامعة القاهرة لاحقاً – وهو من طلائع حركة الكفاح الوطني.. ثم عاد إلى البلاد وعمل بالمحاماة طوال حياته.. اُختير ممثلاً للحزب الشيوعي في حكومة أكتوبر وزيراً للزراعة والغابات.
{ د. “عبد الرحمن أحمد العاقب”.. من مواليد 1921م.. وتخرج في القسم الهندسي بكلية غردون وواصل دراسته ببريطانيا.. وهو من أسرة عريقة فهو ابن الشيخ الداعية “أحمد العاقب” في (جاوة) و(الملايو).. وعمل بجامعة الخرطوم، ثم اُختير في حكومة أكتوبر الأولى وزيراً للأشغال.. وتقلد في عهد “نميري” عدة وزارات.. وهو قامة علمية راسخة.
{ د. “أحمد السيد حمد”.. سبق الحديث عنه.
{ “الأمين محمد الأمين”.. ولد بقرية (مِعْيحَنة) بالجزيرة، وهو من قيادة اتحاد المزارعين.. انتمى للحزب الشيوعي وتم اختياره في الحكومة الأولى لأكتوبر وزيراً للصحة، وكان عضواً في اللجنة التنفيذية للجبهة المعادية للاستعمار (الاسم السري للحزب الشيوعي يومها).. ثم كان أول مزارع اُختير عضواً في إدارة مشروع الجزيرة عام (1964 – 1965م).
{ “عبد الكريم ميرغني”.. من مواليد 1913م.. ومن أبناء أم درمان، الأسرة العريقة أسرة “عثمان صالح”.. أكمل دراسته بأم درمان ثم التحق بكلية غردون في 1939م، ومنها بمدرسة الإدارة وتخرج فيها بمرتبة نائب مأمور.. ثم استقال منها وعمل بالتدريس بمدرسة أم درمان الأهلية معلماً لمادة التاريخ.. في عام 1956م اُختير بالسلك الدبلوماسي، ثم عُيّن وزيراً للخارجية، ثم في أكتوبر أصبح وزيراً للتجارة.
{ “محمد صالح عمر”.. ولد بجزيرة (بدين) شمال السودان.. درس بكلية الشريعة والقانون بجامعة الخرطوم.. حصل على درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة لندن ثم الدكتوراه.. أحد قادة الحركة الإسلامية.. تم اختياره ممثلاً للتيار الإسلامي وزيراً للثروة الحيوانية في حكومة أكتوبر الأولى.. أستشهد في أحداث الجزيرة أبا 1970م.
{ “خلف الله بابكر”.. تخرج في كلية غردون عام 1932م.. والتحق بكلية كتشنر الطبية وبقى بها لمدة عامين فقط.. ثم التحق بقسم الطب الوقائي في وزارة الصحة ضابطاً للصحة، وتدرج في وظائفها حتى أصبح مفتشاً عاماً بالوزارة.. تم تعيينه في حكومة أكتوبر وزيراً للاستعلامات والعمل ممثلاً للحزب الوطني.. وهو من قادة القوميين العرب.
{ “عابدين إسماعيل” المحامي.. من مواليد 1915م.. تخرج في القسم الهندسي بكلية غردون.. وحين وقع الإضراب في الكلية عام 1931م ذهب إلى القاهرة والتحق بمدرسة حلوان الثانوية وتخرج في كلية الحقوق في عام 1941م، وعاد إلى البلاد محامياً، وظل يعمل بها حتى تم اختياره في حكومة أكتوبر وزيراً للحكومات المحلية ممثلاً لجبهة الهيئات.
{ “الشفيع أحمد الشيخ”.. ولد بشندي في العام 1922م.. أكمل دراسته المتوسطة ثم التحق بالمدرسة الصناعية العليا بعطبرة.. وعمل في ورش السكة الحديد.. اشترك في تكوين هيئة شؤون عمال السكة الحديد في عام 1947م، وهي الهيئة التي أشعلت الحركة الوطنية في البلاد.. كان عضواً مؤثراً في الجبهة المعادية للاستعمار.. يحمل وسام (لينين) للسلام.. تم تعيينه في حكومة أكتوبر الأولى وزيراً لشؤون مجلس الوزراء ممثلاً للعمال.. ثم أعدم في انقلاب الرائد “هاشم العطا”.. كان شخصاً فريداً عصامياً وإنساناً.
ثم حدث خلاف بين جبهة الهيئات والأحزاب، الأمر الذي استدعى تكوين حكومة جديدة خرج منها (10) وزراء وكانت فقط بـ (11) وزيراً، وقد بدأت في 23/2/1965م، واستمرت شهراً وثمانية أيام، وانتهت في 31/3/1965م، ودخل في هذه الوزارة بديلاً للذين خرجوا.. السادة: “الرشيد الطاهر”، “هيليري لوقاي”، “أحمد المهدي”، “محمد إبراهيم خليل”، “صالح محمود إسماعيل”، “محمد جبارة العوض”.. ولنكمل الصورة نقول عنهم..
{ “الرشيد الطاهر بكر”.. من مواليد القضارف في عام 1928م.. تخرج في كلية الحقوق بكلية الخرطوم الجامعية.. وهو من قادة الحركة الإسلامية ثم خرج منها إلى الحزب الوطني الاتحادي في منتصف الخمسينيات.. ثم عمل بالمحاماة واشترك في أحد الانقلابات العسكرية ضد نظام الفريق “عبود”، وأدين وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.. وقضاها كاملة.
دخل في التعديل الوزاري الثاني وزيراً للدولة.. ثم تولى في (عهد مايو) عدة مناصب وزارية حتى أصبح رئيساً للوزراء ومساعداً لرئيس الجمهورية.. ثم رئيساً لمجلس الشعب.
{ “هيليري لوقاي”.. (…………)
{ السيد “أحمد المهدي”.. ابن الإمام “عبد الرحمن المهدي”.. ولد في أم درمان.. أكمل دراسته الثانوية بمدارس الأحفاد.. ثم التحق بكلية فيكتوريا بالإسكندرية، وواصل تعليمه بدراسات عليا بإنجلترا.. ثم عاد إلى البلاد وعمل فترة في إدارة دائرة المهدي.. دخل وزيراً للري والقوى الكهربائية.. ثم تم تعيينه في الحكومات الائتلافية وزيراً للداخلية.. وهو إمام الأنصار.
{ “صالح محمود إسماعيل”.. من مواليد وادي حلفا في عام 1919م.. أكمل تعليمه في قسم المحاسبة بكلية غردون.. عمل محاسباً بالسكة الحديد، ثم استقال وعمل في القطاع الخاص.. ثم افتتح مكتباً للمراجعة والمحاسبة في الخرطوم.. تقدم وترشح في البرلمان الأول في مرحلة الاستقلال.. وهو من أقطاب الحزب الوطني الاتحادي.. ثم اختلف مع الزعيم “الأزهري” وفصله من الحزب.. في عام 1957م دخل في التعديل الثاني وزيراً للاستعلامات والعمل.. ثم عمل صحافياً وأصدر صحيفة (أكتوبر).
{ “محمد إبراهيم خليل”.. من أبناء حلفا.. درس القانون وتحصل على درجة الدكتوراه في بريطانيا.. ثم أصبح أستاذاً بجامعة الخرطوم كلية القانون، وأصبح أول عميد سوداني لكلية القانون.. ثم استقال بعد ثورة أكتوبر وهو من أقطاب حزب الأمة.. ثم أصبح رئيساً للبرلمان.. في حكومة أكتوبر مثّل حزب الأمة.. سافر إلى أمريكا وبقي فيها سنوات، ثم عاد وأصبح رئيساً للجنة الاستفتاء.
احتدمت الخلافات مرة أخرى وانتهت بإقالة الحكومة الثانية، ثم بعد تحالف واختلاف، تم في 31/3/1965م تكوين الحكومة الثالثة التي عمّرت فقط ثلاثة أشهر وسبعة أيام، وتكونت من (14) وزيراً.. بقي من الحكومة السابقة (10) وزراء ودخل الوزارة (4) وزراء جدد هم: د. “أحمد السيد حمد”، الأستاذ “بدوي مصطفى”، السيد “الهادي عابدون” و”أحمد سليمان” مرة أخرى.
ولتكمل الصورة لا بد من حديث يعرّف بهؤلاء وهم:
{ د. “أحمد السيد حمد”.. ولد بمدينة الكوة في عام 1919م.. وأكمل دراسته بالمرحلة الثانوية ثم ذهب إلى مصر للدراسة الجامعية والتحق بجامعة (فؤاد الأول) بكلية الحقوق، ثم سافر ضمن مجموعة من أبناء السودان إلى فرنسا للدراسة فيها بجامعة (السوربون) وحصل على درجة الدكتوراه في القانون.. وعاد إلى البلاد وأصبح رئيس تحرير صحيفة (صوت السودان) لسان الحزب الاتحادي.. وعمل بالمحاماة.. ثم أصبح الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي.. ثم أصبح وزيراً.. ثم مستشاراً للرئيس “نميري”، ووزيراً للمواصلات.
{ السيد “بدوي مصطفى”.. من مواليد أم درمان في 1914م.. أكمل دراسته بكلية غردون.. عمل في التجارة والأعمال الحرة.. ظل مهموماً بالتعليم الأهلي، وهو من أبكار الخريجين الذين جاهدوا وعملوا في الحركة الوطنية.. تم تعيينه وزيراً للمعارف ممثلاً لحزب الشعب الديمقراطي.. هو الوزير الذي جعل مادة التربية الإسلامية إجبارية في امتحانات الشهادة السودانية.
{ السيد “الهادي عابدون”.. من أبكار الخريجين.. بدأ تعليمه بالسودان ثم سافر إلى مصر حيث درس هناك في كلية الآداب.. ثم عاد ولم يعمل بالحكومة، واتجه إلى التجارة، وأصبح وكيلاً لعدد من الشركات الأجنبية.. ختمي التوجه والقصد.. ثم صار من كبار رجال حزب الشعب الديمقراطي.. تم ترشيحه من قبل الحزب في حكومة أكتوبر الأخيرة وأصبح وزيراً للصحة.
وبعد.. كانت فترة حكومات أكتوبر فترة نزاع شديد الخصومة بين تيارين، اليسار ممثلاً في جبهة الهيئات، والأحزاب التقليدية.. وعيون الأحزاب تحدق في الانتخابات القادمة، ولهذا تعدّلت الوزارات حتى وصلت إلى ثلاث إبان عام واحد.. لم تنجز حكومات أكتوبر شيئاً سوى أن أعدّت للانتخابات التي أعادت الديمقراطية الثانية.
قامت الانتخابات، ووفقها قامت منذ يوليو 1965م وحتى 25/مايو/1969م (4) حكومات ائتلافية وقومية، وهو ما سنتناوله في الحلقات القادمة.