القرار الجائر
جاء في الأخبار أن بنك السودان اتخذ قراراً بإيقاف خدمة تحويل الرصيد عبر الهاتف (عملياً) وذلك بتحديد سقف أعلى للتحويل قدره (50) جنيهاً في اليوم، والقرار في ظاهره ومقاصده محاولة أخرى لاستعادة عافية الجهاز المصرفي، الذي مات بفعل مثل هذه القرارات الإدارية التي اتخذت في الفترة الماضية.
مثل هذا القرار يصيب قطاعاً عريضاً من السودانيين في مقتل.. ممن يعتمدون يومياً على تحويلات الأبناء المنتشرين في مواقع الإنتاج من عمال اليومية (والجنقو والجنجقورا) والطيانة في الجروف .. و(الكتوكو) أي عمال القصب في مشاريع السكر .. والطلاب والطالبات المنتشرين في الجامعات السودانية، “سلوى” في القضارف تنتظر تحويل والدها من عطبرة .. “فطومة” من الفولة تترقب رنين الهاتف ونغمة الرسالة وهي جائعة لم تتذوق طعم الإفطار حتى الساعة الثانية ظهراً في انتظار تحويل شقيقها لمائة جنيه من الخرطوم حيث يعمل في بيع الرغيف إن وجد بسوق ستة الحاج يوسف، و”أم عشا” في ود عشانا لم تشرب قهوة الصباح حتى مغيب الشمس على أمل وصول تحويل ابنها “أحمد” لمائتي جنيه من بورتسودان .. هؤلاء الذين يحرمهم قرار بنك السودان الجائر من حق الحياة الكريمة الشريفة ويسلبهم نافذة (فك الضيق) ، وتحويلات الرصيد هي أكسجين الحياة لشريحة العمال والطلاب … والزعم بأن التحويلات عبر المصارف لمحاربة السيولة خارج الجهاز المصرفي زعم باطل … وحكومة “معتز موسى” التي فشلت في كبح جماح تمرد شركات الكهرباء التي لا تتعامل مع التكنولوجيا وتستغل حاجة الناس للكهرباء وترغمهم على شراء الخدمة (نقداً)، ولا تستطيع الحكومة محاسبة (الحكومة) ، قدرتها فقط على المواطنين، في كل يوم توفر أسباب الانفجار وتكتب الحكومة بيدها وصفة موتها، وقد مات الإحساس عند المسؤولين بفداحة ما يجري ويحدث من ضيق وعنت ومشقة، وقد تسببت القرارات العشوائية في كساد الأسواق ونضوب موارد الدولة وعجز الموازنة، وبدلاً من اقتراح حلول اقتصادية حقيقية تلجأ الحكومة لاتخاذ مثل هذه القرارات الإدارية (التحكمية) التي لا مردود لها في واقع الأمر، فالمصارف عاجزة عن توفير السيولة، وأخذ بعض المواطنين (يبيعون) أرصدتهم في المصارف لمواطنين آخرين .. شهدت بأم عيني يوم (الخميس) الماضي مواطناً يطلب سداد فواتير آخرين من بطاقته المصرفية نظير سداد الفاتورة نقداً له مقابل تخفيض، أي أن هذا الرجل يبيع رصيده في البنك (بالكسر) حتى يتخلص منه، فهل بعد أن أحجمت البنوك وعجزت عن سداد استحقاقات المواطنين، هناك من يودع ماله في محرقة المصارف؟؟
وهل الجهاز المصرفي قد وصل كل أطراف السودان، وفي الوتساب كتب أحدهم دعابة طريفة لرئيس الوزراء جاء فيها: (السيد محافظ بنك السودان المركزي نحن كبار السن من مواطني أم دحليب وكرا برا وقلقات التيس سمعنا أنكم أوقفتم تحويل الرصيد، نحن هنا نؤيد الحكومة ونحمي أهلنا من التمرد ونذهب لسوق أم دورور مرتين في الأسبوع نستقبل مصاريفنا من أولادنا عمال اليومية، استلام المصاريف عبر تحويل الرصيد نخشى توقف المصروف، ونرجو التكرم بفتح توكيلات للبنوك لاستلام مصاريفنا في كل المناطق المذكورة … ملحوظة رسلوا لينا موظفين رجال ما ترسلوا العوين، البلد دي مرات فيها دواس).
انتهت الرسالة الطريفة، ولكن من يسمع أنين شكاوى هؤلاء البسطاء، والحكومة تجلس (فوق) تصرف على المؤتمرات التفاخرية صرف الأغنياء .. ولا تسمع إلا من تطرب له حواسها.