التبرير الوفاقي والمسلك الإخواني كان منهجاً واضحاً أطلقه “الزبير أحمد الحسن” الأمين العام للحركة الإسلامية في الوسائط الإعلامية على أعتاب المؤتمر التاسع للحركة، في خطوة محسوبة أظهر من خلالها خلو علاقاتهم مع المؤتمر الإسلامي من الإهمال والتهميش والتقاطعات، ووضعها في إطار التناغم المشترك والعلاقة التنسيقية بعكس ما يتأطر في الأفق.. كان “الزبير” يدغدغ الظلم الذي وقع على حركتهم من المؤتمر الوطني في السنوات الماضية بروح التعافي وإغلاق أبواب الشقاق من منطلق رؤية تغذي الشعور بمسؤولية الهموم المشتركة ومصير المركب الواحد، وفتح صفحة كيمياء التجانس.. قبل ذلك تصدى “الزبير” مدافعاً عن سياسات الإنقاذ الاقتصادية وما اعتراها من مشاكل وإخفاقات، فإذا بالمهندس “الطيب مصطفى” رئيس منبر السلام، يستغرب من تصريحات “الزبير” قائلاً له (لماذا تورط نفسك بالدفاع عن فشل الإنقاذ؟) ويضيف “الطيب” قائلاً لـ”الزبير” (هل حركتهم الإسلامية شريكة في توجهات وسياسات الحكومة؟ ثم يتهكم عليه قائلاً له يا شيخ “الزبير” لو كنت تشغل موقع “خاميني” في الإنقاذ لكان لك الحق في الدفاع عن هذه الحكومة) (جريدة الانتباهة بتاريخ 13/سبتمبر/ 2018م).
لا يعرف إذا كان منهج “الزبير” المتسامح مع الحكومة يشكل رؤية فردية أم يعبر عن إجماع الحركة الإسلامية كمؤسسة، في حين أن الشواهد تؤكد قيام المجموعة الإخوانية في المؤتمر الوطني بحرمان الحركة الإسلامية من وضعها الاعتباري والمعنوي في ترسانة الحكم، علاوة على عدم إشراكها في مشورة سياسات السُلطة والتقاضي عن تحسس أوضاعها في جميع الصور، بل كثيراً ما يعتبر الجهاز الحاكم أن الحركة الإسلامية تشكل عبئاً عليه من خلال النظرة الخليجية والغربية على الحركة الإسلامية كامتداد للأصولية في المنطقة.
المسلك الرسمي السالب على الحركة الإسلامية نتج عنه اضمحلال دورها وتأثيرها وبريقها في الساحة، بوصفها الأم الرءوم للفئة الحاكمة حتى شعر البعض بأنها صارت أقرب إلى بناية هشة في مواجهة رياح عاتية، وقد تكون في أفضل الأحوال على مفترق طرق تتحسس الأفق البعيد.. وكم وضعت الحركة الإسلامية على اختبار التصفية إرضاءً للنظرة البراغماتية..! وكم تضاربت على مصيرها الاستنتاجات والإرهاصات.. وكم تخوف الفاعلون لضربها من نتائج خطواتهم إذا حاولوا الإقدام على صدامها.
الآن تتهيأ الحركة الإسلامية لعرسها الكبير في الأيام القادمة، حيث تتبلور نقطة انطلاق واسعة في سياق تقليب الدفاتر بإحساس المسؤولية العميقة والنظرة الفاحصة للأخطار المحدقة على سفينة الإسلاميين في الوطني والحركة، وقد عكس منهج “الزبير” المتسامح مع المؤتمر الوطني دغدغة الظلم الذي وقع عليهم منه بروح التجاوز والعتاب الخجول في إطار العبور لإذكاء التناغم والتفاهم المشترك بين الاثنين لمقابلة التحديات الوطنية الخطيرة والمتشابكة في المستقبل على رأسها فاتورة انتخابات 2020م، تحديات صياغة اللحمة السودانية.
ما تريده الحركة الإسلامية مراجعة أوضاعها ومساراتها في إصلاح الدولة والمجتمع والتفاعل مع القطاعات الشعبية في السراء والضراء وتطبيق البرامج الدعوية والاجتماعية والخدمية بالعلم والإرادة والقناعات في ظل التنسيق مع الوطني حتى تظهر القدرة على الاستجابة للواقع الجديد.. مهما يكن فإننا سنكون أمام مشهد مؤثر يستحق التأمل الشفيف.