الأستاذ “فرح مصطفى” وزير التعليم بولاية الخرطوم وضع وزارته في مواجهة مع اتحاد المدارس الخاصة، قد تؤدي إلى ضرب المكتسبات التاريخية والحسية للعملية التربوية والتعليمية بالولاية، إذ قرر الرجل استخدام سلطة القادر في معالجة الأزمة الملتهبة بينه وبين اتحاد المدارس الخاصة.. تدور رحى هذه المعركة المتصاعدة بين سلطة الوزارة التي اكتفت بإصدار فرمانات سريعة على اتحاد المدارس الخاصة الذي يرى أن هذه القرارات قد تقصم ظهره وتقلص مصالحه لو حاول إنزالها على أرض الواقع.
فالشاهد عندما تصطدم القرارات الفورية بمنطق الأشياء ومعاداة المصلحة العامة، فذلك أدعى لظهور المطبات التي تحول دون جريان هذه القرارات إلى نهاية الجدول، فالحكمة المأثورة تقول (إذا أردت أن تُطاع يجب أن تطلب المستطاع).
في زخم الارتفاع الجنوني الذي فاق التصورات حيث شمل الكبريت والليمون والكراسات والكهرباء والرغيف ومرتبات المعلمين والخفراء المطلوبة من إدارات المدارس وجميع مناحي الحياة، حيث طالب الوزير اتحاد المدارس الخاصة بعدم رفع رسوم الدراسة للعام الحالي، في حين أنه جرى اتفاق بين الطرفين، تمخض عنه قرار الوزير بأن تكون الزيادة من (500 جنيه – 3 آلاف جنيه)، لكنه لم يلتزم بذلك، فكان من الطبيعي ظهور رفض هذا القرار من جانب أصحاب المدارس الخاصة الذين يرون أن فحوى هذا القرار كأنه يأكل من لحومهم، وأنهم بمقتضى هذا الفرمان يعملون كأنهم متطوعين لوجه الله وربما يخسرون، في الوقت الذي يجد فيه أصحاب المتاجر والشركات الفسحة في الكسب المادي المشروع والتماهي مع زيادة الأسعار، بينما يتم حرمان اتحاد المدارس من هذه الفوائد.
الواضح أن وتيرة التصعيد من قبل الوزير “فرح” وصلت إلى مستوى التلويح بسحب التراخيص من المدارس الخاصة بالولاية ومحاولة استمالة أولياء أمور الطلاب في إطار تطبيق قراره، وقد لا يعلم الكثيرون بأن إيقاف المدارس الخاصة بشقيها الأساسي والثانوي عن رسالتها بكل مستوياتها يعني وقوع كارثة تعليمية وتربوية مدمرة تملأ الأفق بالبوار والنكبة والوهن المجتمعي، فهنالك (800,243) تلميذ أساس، و(150,200) تلميذ ثانوي، سيتعطلون عن الدراسة، فضلاً عن إغلاق (8234) مدرسة أساس و(699) مدرسة ثانوية، وتسريح (30,000) معلم ومعلمة عن العمل.. فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية المجتمعية والوطنية الخطيرة، ولا غرو أن المدارس الخاصة تنوء بهذا الحمل الثقيل، وتقدم هذه الخدمة الوطنية الكبيرة وتساعد في تقوية المسار الاجتماعي والحياتي والاقتصادي في البلاد، علاوة على تحمل دفع أرتال ضخمة من الجبايات للمحليات والوزارة والجهات الحكومية الأخرى تصل إلى مستوى (16) جباية مختلفة، يضاف إلى ذلك ما يدفع للكهرباء والزكاة والمياه والدفاع المدني والمواعين الأخرى.. بل حتى المدارس الحكومية تستفيد إلى حد كبير من الأموال التي يدفعها التعليم الخاص للحكومة.
قضية وزارة تعليم الخرطوم واتحاد المدارس الخاصة يجب أن تعالج بالحكمة والصبر ومراجعة نقاط التعارض والتباين، وإدخال الرؤية الثاقبة والعصب الكهربائي الذي يساعد على الاحتقان الماثل للعيان بين الطرفين، فالتعليم الخاص تسيد المشهد التربوي وصار الأيقونة المفضلة من قبل أولياء الأمور والجمهور السوداني، بعد أن اضمحل دور المدارس الحكومية التي لم تجد المؤازرة المطلوبة والمساعدات القيمة من أصحاب التدابير في الحكومة.. نريد حلاً حكيماً يحمل قوة الوعي ويقتل كيمياء التباعد والخلاف بين الوزارة والاتحاد، فالعام الدراسي بولاية الخرطوم في طور انطلاق وطعم المرارة سيكون في غياب المدارس الخاصة، حيث لا يوجد من يرضى أن يأكل من لحمه!!