الديوان

جناين كسلا.. هل تتحول إلى قفار ويباب بعد أن ألهمت الشعراء وأغرت السياح؟

رغم الشيخوخة التي تبدو عليها، إلاّ أن طبيعة مدينة (كسلا) الخلابة هي العزاء الوحيد لزائر المدينة التي ما زالت ترزح في جلباب عمرانها الممزق وتسير على شوارعها المهترئة، وتنام على أكوام نفاياتها المتكدسة على أرصفة مجاريها التي باتت مستودعاً للحشرات والناموس طيلة أشهر العام.
وكسلا، لو لا أن وهبها الله الكثير من مقومات الجمال الطبيعية، كالسواقي والجبال والقاش ومزارات الأولياء الصالحين، لغادرها الناس وتخلوا عن مساكنتها والإقامة فيها. وفي إطار جولاتها الميدانية بالولايات طافت (المجهر) بسواقي كسلا وسعت بين أفنانها الباسقة، لنرى كيف كانت الجولة:
السواقي لسه مدورة لكن ببطء
والجناين التي اشتهرت بين مواطني كسلا باسم السواقي، أضفت بعداً جمالياً على المدينة التي عمقت الحروب جراح فقرها، ولم يجد إلى الآن الدواء الشافي، رغم أنها ظلت وعبر مختلف الحقب الوطنية التي تعاقبت منذ الاستقلال إحدى أهم معالم المدينة بعد (القاش) بجنونه المعهود و(توتيل) و(التاكا) بشموخهما الأبدي، والزائر لا تكتمل زيارته إلا إذا تجول بينها رغم انقسامها إلى ناحتين شمالية وجنوبية.
لم تكن سواقي كسلا مجرد جناين لإنتاج الخضر والفاكهة، بل ظلت متنفساً لسكان المدينة الذين درجوا على إقامة الرحلات الترفيه تحت ظلال أرائكها بين الفينة والأخرى، على حد قول المزارع “محجوب موسى الشفيع” من السواقي الجنوبية الذي أضاف قائلاً: إنها أصبحت متنفساً للناس في المدينة، فكثير ما يقيمون بها رحلاتهم العائلية وبعض أفراحهم، لأنها تمتاز بجمال الطبيعة الذي توفره أشجار الفاكهة الباسقة والأزهار اليانعة وجداول المياه الرقراق والنمير، وأضاف: لهذا يُقبل الجمهور على زيارة الجناين التي درج أصحابها على السماح لطالبي الراحة النفسية بولوجها دون منعهم أو وضع عراقيل أمامهم كما يحدث في الحدائق التي يتم الدخول إليها بعد دفع تذاكر الدخول مقدماً. وبجانب المسحة الجمالية التي أضفتها السواقي على مدينة كسلا، أيضاً نجد أنها تلعب دوراً اقتصادياً مهماً في حياة مواطن شرق السودان، ويمتد أثرها إلى بقية الولايات الأخرى التي تعتمد بصورة شبه كاملة على انتاجها من الفاكهة التي تتنوع بين المانجو والموز والقريب فروت والبرتقال والخضروات كطماطم والعجور وغيرهما.
النوار نوّر مدينتنا
ومن بين الفاكهة الأكثر شهرة التي تنتجها جناين كسلا (القريب فروت) التي تأتي في المركز الأول على حد قول المزارع ” أحمد عبد اللطيف”، الذي استطرد: إن القريب من النواريات أي يبدأ الثمار بالنوارة، ومن ثم يتحول إلى ثمرة كاملة، وتصل شجرة القريب إلى مرحلة الإنتاج بعد حوالي عامين إذا كانت مزروعة في أرض محدده تسمى (البادوبة)، أو ثلاث إذا كانت في الطين العادي، وإذا وجدت أشجار القريب الرعاية الكافية مثل التسميد وقص الفروع الناشفة، فيمكنها أن تنتج في العام مرتين، ولكن إذا تجاهل المزارع رعاية الأشجار فلا يتجاوز إنتاجها المرة الواحدة في كل عام.
وأضاف “عبد اللطيف” تنتج شجرة القريب فروت الواحدة حوالي (500) حبة في الموسم الواحد، وتبدأ أول عملية لحصاد للقريب فروت في شهر نوفمبر.
برتقالنا ولا المستورد
وجاين كسلا كما سبق ذكره تنتج عدة أنواع من الفاكهة منها البرتقال الذي يتفوق كثيراً على البرتقال المستورد بخصائصه الطبيعية أولها، أن البرتقال الذي تنتجه جناين كسلا لا يرش بالغاز كما يحدث للمستورد على حد قول المزارع “محجوب موسى الشفيع” من السواقي الجنوبية الذي قال إن البرتقال المحلي أفضل من المستورد، ولكن المواطن يجهل هذه الخاصية المهمة، ويعتبر أن المستورد بشكله الجميل هو الأفضل دون أن يعلم كمية الغاز المبثوثة في داخل كل حبة برتقال مستوردة. وعن كمية إنتاج شجرة البرتقال في الموسم الواحد يقول “محجوب” تنتج شجرة البرتقال الواحدة ما بين (1000) إلى (1500) حبة، وأضاف المواطن السوداني يقبل كثيراً على البرتقال لأنه لا يمتلك معرفة أخرى ببقية الفاكهة الأخرى مثل القريب فروت.
شايل المنقة يا لون المنقة
وكذلك تميزت جناين كسلا بإنتاج الموز والمانجو الذي تغنى له الكثير من الشعراء مما أكسبه شهرة كادت أن تتخطى حدود السودان نحو الإقليمية. وبهذا تصبح سواقي كسلا ذات بعدين أولهما، اقتصادي مهم في حياة مواطن شرق السودان وبقية الولايات الأخرى، وثانيهما جمالي يضفي مسحة بهاء على وجه المدينة التي أنهكتها الحروب وابنها الشرعي الفقر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية