مسامرات
شيخ “الزين”
محمد إبراهيم الحاج
{ يتضوع صوته في الأرجاء فيدلق في نفسك راحة وطمأنينة.. { يغزو بملامحه البسيطة عقلك ووجدانك فيمنحك الشعور بالإلفة وهدوء السريرة..{ تملأ أرجاء تلاوته جدران وناس وشوارع الخرطوم شرق في ليالي رمضان.. فتهبك عطراً من (نفس الرسول “صلى الله عليه وسلم”) فتتعبأ خياشيمك بحلاوة تلاوته وصوته العذب يتمكن من أوردتك وشرايينك فينفث فيها سماحة الدين وهيبة الخشوع للمولى عزّ وجلّ.
{ لذلك لم يكن شيخ “الزين محمد أحمد” مجرد قارئ لكتاب الله تعالى ومجوداً في التلاوة فحسب، لكنه كان صوتاً جهيراً للتسامح وبث الوعي الديني البسيط.. كان بصوته وبكائه خشية من المولى عزّ وجلّ يمثل لعامة الناس صلة بين الأرض والسماء ونموذجاً للتدين الحقيقي غير المخلوط بابتزاز سياسي.
{ لم تُزيِّن أكتاف شيخ “الزين” النياشين ولا تدلّت على صدوه الأوسمة، ولا رَفَعَت من مقداره إمبراطورية مال فاسدة، أو زخرفات السلطة وثقافة الأحزاب القائدة.. لكن رفعت شأنه تلاوة كتاب الله وتجويده حتى صار قدوة حسنة نفتقدها هذه الأيام مع تكاثر شباب معروفين يتعاطون المخدرات ويمثلون نموذجاً سيئاً لمن خلفهم.
{ شيخ “الزين” هو شاب في مقتبل العمر منحه الله بسطة في الصوت والقبول من الناس.. يحبونه هكذا بلا تزلف وبلا مصلحة، لكنها محبة لوجه الله تعالى.
{ آلمني جداً هجوم بعض (سابلة) مواقع التوصل الاجتماعي عليه خلال الأيام السابقة بسبب سرقة سيارته من نوع الـ(برادو)، وتكلل جهود الشرطة بإعادتها إليه قبل أربع وعشرين ساعة من فقدانها.
{ يستكثرون عليه امتلاك سيارة وبيت.. ويعتقدون أن رجل الدين يجب أن يكون (زاهداً) في كل ما يخص الدنيا.. وهم يسعون إلى تصدير صورة نمطية تقليدية منفرة لرجل الدين الذي يرفض التعاطي والتعامل مع كل أشكال التكنولوجيا الحديثة.
{ لنقر أولاً أن السيارة هي من (تتشرف) به وليس العكس.
{ لم يحصل شيخ “الزين” على سيارته من المتاجرة في العملات.. ولا من المضاربة في قوت الشعب.. ولم يحصل عليها من التمسح ببلاط السلطة.. ولا كان مغنياً يمنح الناس بعض غنائه الغث فيسمم عقولهم.. ولكنه كان صوتاً يجهر بكتاب الله.. يمنح الناس الطمأنينة بصوته الآتي من فراديس فالتة.
{ لو منح شيخ “الزين” قصوراً في كل مدينة سودانية لما استكثرناها عليه.
{ كيف بالله يرضى سابلة الانترنت أن يستنكروا امتلاكه سيارة ولا يأبهون لحال مجتمع يمنح مطرباً شاباً سيارة يبث من خلالها تسجيلاً مباشراً وفمه ممتلئ بـ(السعوط).. ولا يتأففون ولا تؤرق مضاجعهم؟
{ كيف يستنكرونها على شيخ أكرمه الله بالقرآن حفظاً وتجويداً وتلاوة ويخدمه بصوته، ولا يستنكرونها على تجار السوق الأسود والمستفيدين من بزة أطفال السواد والمتاجرين بقوت الشعب الذين تنهب فارهاتهم الأرض وتملأها جوراً وظلماً؟
{ كان الشيخ “عبد الباسط عبد الصمد” يتم تكريمه في كل مكان في العالم ودخل الإسلام بعد سماع تلاوته الآلاف من نيجيريا وأمريكا وجنوب أفريقيا، وكان يتقاضى أجراً منذ بداية تلاوة كتاب الله الكريم في بدايات خمسينيات القرن الماضي وأطلقوا عليه عدداً من الألقاب منها قيثارة السماء وصوت من الجنة.. ومع ذلك لم يستكثر عليه أحد ما منح.. ولم يمض أسفه القوم إلى التشكيك فيه.
{ حضارة أي شعب تُقاس بماضيه وتراثه وأعلامه، من علماء وأدباء وشعراء ورجال فكر وثقافة وفن.
{ هؤلاء يمثلون عقل الأمم وفؤادها.. وشيخ “الزين” أحد الذين يمنحوننا الطمأنينة النفسية.. فكفوا أذاكم عنه.