مسامرات
“عقد الجلاد” تترنح
محمد إبراهيم الحاج
{ تكونت مجموعة (عقد الجلاد) الغنائية من عدد من أساتذة وخريجي وطلاب المعهد العالي للموسيقى والمسرح في الخرطوم، وأعلنت عن نفسها في أواخر العام 1988 كشكل جديد في الغناء الجماعي، ووجدت لذلك أرضية خصبة استطاعت أن تفلت من محاولات التكرار الموسيقي والألحان الدائرية، مسنودة بثقافة علمية وبقدرات وبتنفيذ موسيقي يقوده الموسيقار “عثمان النو”، وتنوعت تشكيلاتها الأدائية على أصوات مغنين استطاعوا تقديم بناء لحني مختلف وغير مطروق، مستفيدة في ذلك من تعدد أصوات مغنيها، وخلقت شكلاً من أشكال الحوار داخل المجموعة نفسها بتبادل أداء الجمل الغنائية، مع حضور مسرحي مذهل استطاعت من خلاله بناء جمهور لها خلال سنواتها الأولى.
{ تناول الفرقة لموضوعات غنائية تخاطب الأجيال الحديثة استفادت منه في بناء جمهور مستنير، وهو ما مكنها من توصيل رسالتها دون عناء، ولهذا فإن أغاني “محجوب شريف” و”القدال” و”حميد” و”فاروق جويدة” كشكل من أشكال الغناء الرصين أصبحت أغاني جماهيرية، وقدرات أفراد المجموعة المسنودة بالعمل استطاعوا من خلالها كسر الميلودي الرتيب الذي كان وقتها من أبرز ملامح الأغنية السودانية، ولعل ذلك يعدّ أحد الأسباب القوية التي تجعل الفرقة تعود بعد كل انشقاق داخلي أقوى مما كانت.
{ غنت (عقد الجلاد) للسلام والأطفال والوحدة والمرأة وقضايا النوع، وهذا التنوع أكسبها أراضي جديدة حتى باتت بمثابة أيقونة للشباب في كل الأجيال.
{ ثاني أيام العيد كنت حريصاً على حضور حفل المجموعة بالمسرح القومي بأم درمان.. رغم علمي أن الفرقة تعاني كثيراً خلال الفترة السابقة، لكن لإيماني أن الفرقة بما تملك من مشروع غنائي ووطني وقدرة على تجاوز كل المطبات التي انزلقت فيها قبل ذلك ستستطيع الخروج مرة أخرى من نفق أزمتها الحالية.
{ أول شخص قابلته في الحفل كان عراب كلية الموسيقى والدراما “النور حسن” الذي كان موجوداً ربما لمتابعة المجموعة الغنائية التي تنافسهم الآن في الساحة.. “النور” خرج بعد نهاية الفاصل الأول، ويبدو أنه اقتنع أن الفرقة التي رآها أمامه لن تقوى على مجابهة مد الكورال الذي بدأ في إنتاج أعماله الخاصة.
{ تغطية الحفل بكاملها تجدونها في مكان آخر بهذا الملف.. لكن أكثر ما لاحظته في الفرقة الغنائية هو حالة (الفوضى) التي باتت تميز حفلاتها مؤخراً.. فلا يعقل أن يصعد المعجبون إلى المسرح واحتضان المغنين والإتيان بأفعال وتصرفات غريبة كيفما اتفق دون أن يكون هناك (حرس) أو (رجل أمن من المسرح) لكبح جماح تفلتات الجمهور، التي تأتي في كثير من الحفلات خارجة عن سياق ما تعارف عليه المجتمع السوداني.
{ كيف ترضى الفرقة الغنائية التي تملك اسماً عريضاً ومشروعاً فنياً كبيراً بهذا التنظيم السيئ للغاية؟ كراسي غير مرصوصة.. انفلات أمني.. ولا وجود لمنظمين سوى في (شباك التذاكر)؟
{ الفرقة الموسيقية للمجموعة أقوى عناصرها.. استطاعت أن تخفي الضعف الموجود في أصوات بعض المغنين.
{ لا يزال “شمت محمد نور” يصر على لعب (دور البطولة) في كل حفلات الفرقة.. يكثر من الثرثرة التي تصيب الجمهور بالضجر ويقاطعونه بالتصفير احتجاجاً.
{ أظن أن “شمت” هو السبب في كثير من (بلاوي) المجموعة الغنائية.
{ ما أن يأتي مغنٍ في المجموعة ويكتسب جماهيرية واسعة بـ(صولاته الفردية) حتى نجده بعد فترة خارجها، بدءاً من “عمر بانقا”، مروراً بـ”الخير أحمد آدم” و”هاني عابدين”، ومؤخراً “عمر زولو” الذي تسربت أنباء قوية عن خروجه من الفرقة بأمر السيد “شمت”.
{ حفلات الفرقة الجماهيرية أصبحت تعتمد على الأغاني (المارشالية)، وغاب عن فرقتها الموسيقية (تدوين النوتة)، وكان نجومها الدارسون للموسيقى أمثال “حمزة سليمان” و”معمر بانقا” وغيرهما يحفظون إيقاعها.
* (عقد الجلاد) تترنح.. في وقت تصعد فيه فرق غنائية أخرى تنضج تجربتها على نار هادئة.. نار من الممكن أن يصيب لهبها الفرقة البنفسجية، لأنها تتسلح بذات الأسلحة التي ساهمت في بروز (عقد الجلاد) إلى العلن.