بعد ومسافة
جرائم النشر الإلكتروني ودفاتر الأحوال!
مصطفى أبو العزائم
بضبط المتهم الأول في قضية النشر الإلكتروني الضار في قضية المرحومة السيدة “أديبة فاروق” رحمها الله، تكون بلادنا قد خطت خطوة كبيرة وواسعة نحو تحقيق العدالة، وحماية المجتمع من مثل هذه الجرائم البشعة التي لا يعفي مرتكبها غفلته أو جهله بالقانون أو جنوحه للتسلية وتمضية الوقت في ما لا يفيد، وفي مثل هذه الحالات يكون ناقل الجريمة أو المعلومة الخطأ أو الشائعة شريكاً فيها، لأنه ساعد في النشر دون أن يتبيّن أو يتثبّت من الواقعة.
بعض علمائنا وعدد من الخبراء السودانيين كانوا سباقين في هذا المجال، ونقصد جريمة النشر الصحفي والإلكتروني، ومن بينهم الدكتور “أحمد عبد المجيد الحاج” الذي يعمل حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة– على ما أعتقد– وهو حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في القانون من جامعة الخرطوم وعلى دبلوم العلوم السياسية من جامعة أم درمان الإسلامية، وقبل ذلك على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، والتحق بجهاز الشرطة السودانية ونال عضوية اتحاد المحامين السودانيين، وقد صدرت له عدة مؤلفات من بينها (حرية التعبير بين الإطلاق والتغيير– دراسة مقارنة في النظم المعاصرة مع أحكام الشريعة الإسلامية) و(الحماية القانونية للحياة الخاصة) و(الرقابة الإدارية على الوظيفة الشرطية– الأساليب والوسائل) و(الحماية الجنائية لحقوق الإنسان) الذي كان معداً للطبع قبل أن يصدر كتابه القيّم الموسوم بـ(جرائم النشر الصحفي والإلكتروني وأحكام المسؤولية الجنائية)، وقد أهداني– مأجوراً مشكوراً– نسخة من هذا السِفر القيّم في الثاني عشر من يوليو عام 2007م، وهو كتاب يقوم على أربعة فصول، الأول منها تمهيدي يقوم على ثلاثة مباحث وثلاثة مطالب، وتناول في مباحثه الثلاثة أهمية حرية الرأي والتعبير في النظم المعاصرة، ثم الدور الإيجابي للصحافة كوسيلة للنشر، وتعريف جرائم النشر الصحفي وتحديد عناصرها وخصائصها.
الكتاب قيّم وهو مرجع للباحثين ومرتكز للمشرعين والمختصين في المجالات القانونية والعدلية والصحفية، وخاصة وأننا الآن في السودان نعمل على تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية ليتسع ويستوعب التعريف بالصحافة الإلكترونية والوسائط المختلفة ويفصّل تعريفاتها، خاصة في حالات النشر الضار الذي يعدّ جريمة بحق، إذ إن الجريمة هي سلوك إنساني منحرف يمثل اعتداء على حق أو مصلحة من الحقوق والمصالح التي يحميها القانون، وتتحقق جريمة النشر دون النظر لوسيلة ارتكابها، لأن القانون لا يضع اعتباراً للوسائل التي استخدمت في النشر الضار سواء أكانت صحيفة أو كتاباً أو الشبكة المعلوماتية، الوسيلة لا تعدّ من العناصر الأساسية للجريمة وإنما يكفي أن يتوفر عنصر العلانية.
اعتقد أن دفاتر أحوال الجريمة اليومية ستسجل ارتفاعاً مطرداً في البلاغات المتصلة بجرائم النشر الإلكتروني، والتي حظيت باهتمام كبير من قبل قيادات الدولة على مستوى الرئاسة والوزارات والمؤسسات المختصة، وعلى مستوى كثير من الحادبين على مصلحة الوطن والمواطن، خاصة بعد أن شرع البعض في استخدام الأجهزة الذكية والتطبيقات الملحقة بها في إشانة سمعة الغير وإطلاق الشائعات والأخبار الكاذبة، ونشر أسرار الحياة الخاصة، مع المساس بالعقائد الدينية والإساءة للأديان والترويج للردة والإلحاد، ونشر الكراهية والحث على نشر سياسات التمييز العنصري والإثني والديني، هذا غير الإضرار بالأمن الداخلي والنظام العام ونشر أسرار الدولة وخدش الحياء العام والترويج لنشر أخبار وصور الجريمة، وإهانة رئيس الدولة أو مؤسساتها السيادية والأمنية والعسكرية، وانتهاك سرية جلسات المحاكم، ونشر أخبار التحقيق الأولي مع الإساءة إلى القضاة ووكلاء النيابة.
تعديل بعض القوانين أمر مهم وضروري وواجب، وضبط ومحاكمة من يقومون بمثل هذه الجرائم سيعمل على الحد منها وإن لم يمنعها تماماً، والقارئ لبعض صحفنا– خاصة الرياضية– سيرى العجب العجاب، من انتهاك خصوصية الغير والتعدي على الحرمات وخدش الآداب العامة من خلال استخدام مفردات إيحائية فظيعة. اللهم نسألك أن تحفظنا وأبناءنا وبناتنا وأهلنا ووطننا من كل شر وسوء.. آمين.
..و.. جمعة مباركة.