حوارات

"قطبي المهدي" يحلل لـــ(المجهر) مآلات قرار تمديد العقوبات وتجميد الحكومة للجنة التفاوض مع واشنطن

أمريكا زجت بملف حقوق الإنسان كجزء من المماطلة ولا زالت تتعامل معنا بسياسة العصا والجزرة
السودان أوفى تماماً بكل مطلوبات المسارات الخمسة
علينا أن لا ننتظر وعود واشنطن بعد اليوم وإن بقيت كل الخيارات مفتوحة
حوار ـــ محمد جمال قندول
حبست الأنفاس وعاش السودانيون على أعصابهم أمس (الأربعاء) انتظاراً لقرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” حول رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. وكان لافتاً أن يجد الحدث اهتماماً متعاظماً من العالم أجمع، حيث خصصت أكبر الفضائيات العالمية ووكالات الأنباء حيزاً كبيراً للحديث عن الأمر العاجل. بيد أن واشنطن أرادت تمديد سياستها اتجاه الخرطوم، التي عرفت في أيام مضت بسياسة (العصا والجزرة)، وأصدرت قراراً أرجأت به البت في قرار رفع العقوبات نهائياً لثلاثة أشهر إضافية، وذلك في قرار صدر في الساعات الأولى من صباح أمس (الأربعاء)، وأعقبه مباشرة وبعد ساعات قلائل، قرار من رئيس الجمهورية “عمر حسن أحمد البشير”، بتجميد لجنة التفاوض مع أمريكا. وكانت اللجنة المذكورة تتفاوض منذ عام مع مسؤولين أمريكيين في محاولة لرفع العقوبات المفروضة على الخرطوم منذ 1997.
ولتحليل المشهد وتطوراته اللاهثة التقت (المجهر) القيادي د. “قطبي المهدي” الذي يعلم كثيراً من خفايا هذا الملف وتطوراته، فقد كان مسؤولاً بالخارجية حين تم فرض العقوبات، فضلاً عن تميزه بالخبرة الدبلوماسية العريضة، وأجرت معه الحوار التالي..

{ بداية د. “قطبي”.. كيف تقرأ قرار تمديد العقوبات؟
ـــ قبل أيام قليلة قلت لصحيفتكم (المجهر) إنني لا أتوقع رفع العقوبات، وشبهت تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع هذا الملف بسياسة (حمار الأرض)، ولا زال الأمريكان يستخدمون سياسة العصا والجزرة معنا. ومن حيثيات القرار واضح أن الرئيس الأمريكي “دونالد  ترمب” لم يكوّن بعد رأيه بخصوص السودان بشكل واضح، وكما تعلم  فإن هنالك لوبياً معادياً للبلاد في الكونغرس ويضغط بشدة حتى لا ترفع العقوبات، على الرغم من أن هنالك مؤسسات لها تقديرات صحيحة مثل الأجهزة الأمنية.. وللعلم فإن أحد أبرز مهندسي العقوبات “هيرمان كوهين” وهو يهودي من نيويورك وكان مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، حينما فرضت العقوبات، وجاء هنا  والتقيت به وحينها كنت بالخارجية وذهبنا إلى الجمعية العامة في نيويورك والتقينا به أنا و”عبد الرحيم حمدي”، الذي كان حينها وزيراً للمالية ود. “علي الحاج” وكان وقتها وزيراً للحكم الاتحادي، وذكر لنا بأننا سنوضع في قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ذات الشخص “هيرمان كوهين” أخرج أمس الأول بياناً بأنه يجب رفع العقوبات عن السودان، الأمر الذي يعكس وجود تيارين متصارعين في واشنطن، مما يجعل “ترمب” غير ملم بالمشهد الكامل المتعلق بملف العقوبات.
{ واشنطن اتخذت من ملف حقوق الإنسان ذريعة جيدة لقرارها رغم أنه لم يكن ضمن المطلوبات الخمسة؟
ـــ ليست حقوق الإنسان فقط وإنما ربطتها بالأوضاع الإنسانية، وطيلة القرارات السابقة لم تكن موجودة كبند مستقل، وكان الحديث عن المساعدات الإنسانية، وإذا لاحظت المشهد الآن فيما يخص الحريات ستجد بأنها باتت متفرعة وتحوي مثلاً الحريات الدينية وغيرها.. أشياء لم تكن ورادة بالماضي، وبات الآن بند الحريات كبيراً ومتسعاً.
{ لماذا تم الزج بهذا الملف تحديداً؟
ـــ حسب وجهة نظري فإنها جزء من المماطلة، بعد أن وجدوا أن الحكومة السودانية استوفت المسارات الخمسة، لإيجاد صيغة يضغطون بها على الخرطوم. 
{ هل ما يحدث بالمنطقة كان له أثر على التمديد؟
ـــ لا أعتقد أن دول الخليج لها مساهمة بأن لا يلغي “ترمب” قرار “أوباما”، وما تم هو تمديد الفترة لثلاثة أشهر قادمة، ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي واقع تحت ضغوط مختلفة، لذلك خرج بمثل هذا القرار. وفي نظري أن موقف الحكومة لدينا كان جيداً، بأنهم لن يقبلوا أي تطويل بعد اليوم، ورفع العقوبات هو جزء من حقوق الشعب السوداني.. وهذا عدوان أمريكي سافر على حقوقنا.
{ ما رأيك في التصعيد الذي اتخذته الحكومة بتجميد رئيس الجمهورية للجنة التفاوض؟
ــــ قطعاً ثمة إرهاصات سبقت هذا القرار، وحتى إعلان الزيارة إلى موسكو كان بمثابة رسالة واضحة لأمريكا، وأن الخرطوم لن تقبل بعد اليوم أية مماطلة استناداً إلى كل الوعود الأمريكية السابقة، التي ذهبت أدراج الرياح، لذا كان لابد لها أن تحتاط.
{ هل ترى أن خطوة التصعيد مقبولة وموضوعية؟
ـــ ما خرج من الحكومة ليس بتصعيد. وحسب وجهة نظري أنه ينبغي على السودان أن يأخذ رأياً نهائياً حول هذا الأمر، وأن لا ينتظر وعوداً كذوبة. وأمريكا تستغل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية لأهداف سياسية معروفة لنا. ولابد للبلاد أن تجد مخارج.. لابد من الاعتماد على أنفسنا بمواردنا، ورفع العقوبات هو جزء من حق مكفول للشعب السوداني.
{ ماذا تتوقع في مقبل الأيام من الحكومة؟
ـــ أتوقع أن تلجأ الحكومة إلى الاعتماد على القدرات الخاصة لنا، وأن لا تنتظر بعد اليوم وعود واشنطن. 
{ هل تتوقع العودة والعمل على محور (إيران- تركيا- روسيا) كتحالف؟
ـــ كل الخيارات مفتوحة، ونحن في معركة البقاء، وكل المبررات موجودة.
{ ماذا تتوقع من أمريكا رداً على ما اتخذته الحكومة السودانية من تصعيد؟
ـــ لا أتوقع تصعيداً منها أكثر من ذلك، وحكومتنا تركت الباب مفتوحاً للتفاوض، لكن أعتقد أن صبر الحكومة عندنا بدأ ينفذ، وحتى الآن لا زالت تريد أن تتعامل بصيغة التفاوض.
{ في نظرك.. إلى أي مدى أوفت الحكومة بمتطلبات المسارات المطلوبة؟
ـــ أوفت تماماً بالمسارات الخمسة التي ذكرت، والمبعوث الأمريكي السابق “دونالد بوث” كما تعلم وضع اللوم على الحركات المسلحة، والآن واضح أن الحكومة الأمريكية تريد افتعال مسارات أخرى.. وفي تقديري السودان أوفى بالالتزامات تماماً فيما يتعلق بالمسارات الــخمسة.
{ قرار التمديد لثلاثة أشهر هل هو أخف قدراً من أن لا ترفع نهائياً؟
ـــ القرار ليس بهذه الخطورة.
{ هل تعتقد بوجود ظلال لما يجري بالخليج على القرار الأمريكي خاصة وأن بعض دول الخليج قريبة من هذا الملف؟
ـــ ربما كان الأمريكان يأملون أن يقاطع السودان قطر، وعندما تقرأ عملية الحصار وتصريحات “ترمب” تجد أنه كان داعماً له، مما حدا بهم لاعتبار موقف السودان في الحياد غير مطمئن.
{ كيف تنظر لمستقبل علاقة السودان مع روسيا في ضوء هذه التطورات؟
ـــ السودان لا يتصرف بمبدأ المكايدة ورد الفعل. ومن حق البلاد أن تسعى إلى بناء علاقة جيدة ومفيدة مع كل دول العالم، وليس بالضرورة أن يكون هنالك نوع من الضغط عبر إنشاء قواعد عسكرية وهكذا، وإنما للمنافع المتبادلة والعلاقات المبنية على أسس إستراتيجية.
{ كيف ترى تأثيرات هذا القرار على الأوضاع الاقتصادية؟
ـــ نعم.. لا تزال له آثار سلبية على الأوضاع المعيشية والوضع العام يعكس ذلك جراء أحوال الناس، الذي نعانيه الآن هو بمثابة فاتورة للعقوبات الأمريكية التي أضرت بالشعب السوداني، وعلى الحكومة السودانية أن تدين بأشد التعابير هذا الموقف الأمريكي، وتطالب العالم بما في ذلك الأمم المتحدة بإدانته وذلك لأنها أوفت بكل المتطلبات، ولكن ما زال هنالك تماطل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية