بعد ومسافة
“آنيبال ماركيز” ديوس إي فيديرازيون
مصطفى أبو العزائم
“آنيبال ماركيز” هو اسم سعادة سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية في الخرطوم، وهو آخر سفير اختاره الرئيس الفنزويلي الراحل “هوغو شافيز” قبيل وفاته بشهر واحد، ويطلب إليه التوجه نحو السودان ضمن انفتاح فنزويلا في عهده على العالم، وعلى أفريقيا بالتحديد، إذ لم يكن في العاصمة (كاركاس) عند تسنم “شافيز” للرئاسة أكثر من خمسة سفراء أفارقة أصبح عددهم بعد سياسات الانفتاح الجديدة (18) سفيراً، وفي المقابل نشأت بعثات دبلوماسية فنزويلية بذات العدد وربما أكثر، ويكون من نصيب السودان “آنيبال ماركيز” هذا السفير المجتهد، والمنفتح على المجتمع السوداني، والساعي بكامل جهده لتوطيد العلاقات بين البلدين.
تلك المقدمة كانت لازمة وضرورية لتكون مدخلاً منطقياً لمقالنا اليوم، المرتبط باحتفالات فنزويلا، واحتفال سفارتها بالخرطوم يوم أمس الخامس من يوليو الحالي بذكرى استقلالها، وقد تأسست عام 1811م، واستقلت عن أسبانيا في الخامس من يوليو وعن كولومبيا الكبرى في يناير 1830م، ونالت كامل سيادتها والاعتراف العالمي بها عام 1845م، لكن الدولة هناك تحتفل بالسيادة والاستقلال في الخامس من يوليو وتربطه بالعام 1811م، أي أنها الآن دولة مستقلة منذ مائتين وست سنوات.
داخل قاعة واسعة فسيحة في مقر سفارة فنزويلا جرت عند الحادية عشرة والنصف صباحاً مراسم الاحتفال بذكرى الاستقلال، وقد ضمت عدداً من أصدقاء فنزويلا في الخرطوم، وكان ملفتاً تزيين القاعة الفسيحة الضخمة بمجموعة من أبطال ورموز التحرر العالمي، فتجد صورة ملونة ضخمة لبطل الاستقلال “سيمون دي بوليفار” الذي قاد حروب الاستقلال في بلاده التي أكرمته وربطت اسمها به لتصبح جمهورية فنزويلا البوليفارية، وأطلقت اسمه على عملتها الرسمية، وعلى أهم معالمها الرسمية والثقافية وصروحها العلمية، اعترافاً بجهد هذا البطل الذي أنهى بثورته حقبة طويلة من الاستعمار الأسباني بدأت عام 1520م، وكتب هو والثوار نهايتها في العام 1821م.
القاعة الواسعة الفسيحة ضمت صور أبطال التحرر ومن بينهم “هوغو شافيز” الذي أعاد للشعب أمجاده بعد انتخابه عام 1998م، من خلال ما أسماه بالثورة البوليفارية وتكوينه لجمعية تأسيسية أقرت دستوراً جديداً في البلاد عام 1999م.
ذات القاعة ضمت لوحات لزعماء أفارقة ومن بقية القارات كان من بينهم قائد ثورة التحرر في السودان الإمام “محمد أحمد المهدي” والرئيس الجزائري الأسبق “أحمد بن بيلا” وزعماء أفارقة من أمثال “أحمد سيكتوري” و”باتريس لومببا” و”مانديلا”.
الظل الأمريكي الثقيل كان يخيم – بل يقع – على القاعة والاحتفال، وأشار السيد السفير في كلمته إلى هيمنة الشركات الأمريكية على النفط لسنوات وسنوات إلى أن حدث التحرر مؤخراً، وكيف كان الشعب يعاني من ويلات الفقر إلى أن رفع شعار (النفط لنا) وهو شعار تقدم كل الشعارات عدا الشعار الوطني (ديوس إي فيديرازيون) وهو باللغة الأسبانية ويعني (الله والوحدة).
ذلك الظل الأمريكي الثقيل قادني إلى أول وآخر مرة أشاهد فيها الرئيس “هوغو شافيز” وكان ذلك في قاعة المؤتمرات الدولية بالعاصمة الكوبية (هافانا) التي شهدت فعاليات قمة دول عدم الانحياز الرابعة عشرة في سبتمبر عام 2006م، والتي تشرفت وقتها بأن كنت ضمن الوفد الصحفي الذي رافق السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” إلى كوبا، عبر رحلة طويلة عبر المحيط الأطلنطي جواً.. وقد شاهدت “شافيز” الذي جاء إلى المنصة لإلقاء خطاب بلاده، في أعقاب خطاب الرئيس الأمريكي – وقتها – “جورج بوش” الابن، لقد وقف “شافيز” أمام المنصة يتلفّت ويشمشم بأنفه في حركة ملفتة، وقال “إنني أشتم رائحة نتنة.. إنها رائحة الشيطان، لقد كان هنا.. نعم.. كان هنا وأنتم جميعاً شاهدتموه واستمعتم إليه”، وكان يقصد الرئيس الأمريكي.
تذكرت ذلك بالأمس، وعدت بذاكرتي إلى عهود التحرر والثورات والشعارات التي تدعو لمحاربة الاستغلال والإمبريالية العالمية، عهود كانت الكلمة فيها للشعوب قبل أن تحدث هذه الاختراقات من خلال الإعلام المضلل الذي يشوه الأحداث ويزورها لصالح الاستعمار الجديد.
نهنئ سعادة السفير “آنيبال ماكيز” وأسرة السفارة الفنزويلية وقبلهم قيادة تلك الدولة الثائرة وشعبها العظيم، ونهنئ كل الشعوب الحرة بمناسبة ذكرى استقلال فنزويلا المائتين وستة.
ونسأل الله في هذا اليوم العظيم أن يرد كيد الظالمين إلى نحورهم وأن يحفظنا وكل الإنسانية من مخاطر المتسلطين والطغاة وأن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين وكل الأقطار المستضعفة من شرور تلك الطغمة الغاشمة الباغية.
آمين.. و.. جمعة مباركة