تقارير

لماذا يحذِّر القائم بالأعمال الأمريكي السودانيين من قراءة الفنجان والتنبؤ بما هو آتٍ؟

على بعد أيام من قرار رفع العقوبات الاقتصادية
الخرطوم – ميعاد مبارك
أيام قليلة تفصلنا عن اليوم الموعود للنظر في رفع العقوبات الأمريكية، والخرطوم في حالة ترقب حذر.
 المسؤولون هنا يكتفون بردود فعل محسوبة بالمسطرة الدبلوماسية القصيرة، في حرص كبير على عدم التضارب في التصريحات، في وقت تشهد فيه الساحة الأمريكية تضارباً واضحاً في تصريحات مؤسساتها، الأمر الذي يضع المراقب للشأن السوداني الأمريكي في حيرة كبيرة، فهل ترفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات بشكل كامل أم تقوم باعتماد أو عدم اعتماد الرفع الجزئي أم أنها ستقوم بتمديد المهلة لشهور أخرى؟.
القائم بالأعمال الأمريكي رغم حالة التفاؤل الحذر طلب بعدم الاستعجال، التنبؤ بما سيحمل قرار رفع العقوبات الاقتصادية المرتقبة في إشارة إلى عدم اللجوء إلى (قراءة الفجان) .. وهي ما تجعلنا نضع خطين ولتثير فضولنا لمعرفة ما الخيار الأقرب.
واشنطن قلقة
 قالت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الخرطوم في بيان صحفي (الخميس) قبل الماضي، أن واشنطن تشعر بالقلق الشديد إزاء سجل السودان في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك استمرار إغلاق الحيز السياسي والقيود المفروضة على الحرية الدينية وحرية التعبير وحرية الصحافة، وأردفته ببيان يوم أمس (الخميس)، على لسان القائم بالأعمال الأمريكي “استيفن كوتسيس” بمناسبة العيد الوطني للولايات المتحدة الأمريكية، ذكرت فيه جملتين متناقضتين الأولى (نية واشنطن عدم الرجوع لعقارب الساعة إلى الوراء)، أما الجملة الثانية فكانت الدعوة إلى عدم محاولة التنبؤ بالمستقبل وعدم (قراءة الفنجان) ولغة الجسد، وتابع (حيث أنني لن أتنبأ بما ستبدو عليه سياستنا في السودان في الثالث عشر من يوليو).
السفارة أشارت في بيانها الأول إلى مخاوفها فيما يلي حقوق الإنسان في البلاد بالتفصيل في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنها تواصل الضغط على الحكومة لتحسين أدائها في هذه المجالات.
وأكد البيان ذاته أنهم  يرصدون التقدم الذي أحرزته حكومة السودان في المجالات الرئيسة الخمسة التي أشير إليها في الأمر التنفيذي (13761) لتحديد ما إذا كانت قد قابلت متطلبات الأمر برفع بعض الجزاءات في الثاني عشر من الشهر الجاري أم لا؟.  وتكرر ذات الحديث في البيان الأخير.
 (علينا التأكد من التزام السودان بوقف أعمال القتال من جانب واحد في مناطق الصراع، ووقف جميع عمليات القصف الجوي ،هو أحد الشواغل الرئيسة في مجال حقوق الإنسان، بينما نعمل من أجل إحراز تقدم في المجالات الخمسة، نحن أيضاً نعمل بشكل مكثف بشأن الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان)، هذه الأسطر حملها البيان الأول، حيث أشارت سفارة واشنطن في الخرطوم إلى إثارتها قضية الناشطين السياسيين المعتقلين لأكثر من مرة وعلى جميع المستويات، فضلاً عن حديثها عن مصادرة الصحف وعمليات هدم الكنائس وتقييد الحيز السياسي والقيود المفروضة على الحرية الشخصية والدينية.
 واشترطت الولايات المتحدة على الحكومة وجود تقدم أقوى في القضايا التي أثارتها في بيان سفارتها في الخرطوم من أجل المضي قدماً في العلاقات بين البلدين ورفع العقوبات.
وقالت واشنطن إنها ملتزمة بالشعب السوداني وتواصل العمل في مجال السياسة العامة مع حكومة السودان والمعارضة لتحقيق السلام وتعزيز حماية حقوق الإنسان في السودان.
الحكومة ترد ..
 ردت الحكومة على البيان الأول لواشنطن والمتعلق بحقوق الإنسان في حين اعتبره الكثير من المتابعين صادماً في هذا التوقيت، خاصة والخرطوم على بعد بضعة أيام عن الوعد الأمريكي برفع العقوبات، وقالت وزارة الخارجية في ردها على بيان السفارة الأمريكية، إن السودان يشهد حراكاً سياسياً غير مسبوق بمشاركة حزبية متعددة ومتنوعة فاقت الثمانين حزباً، وعدد مقدر من الحركات التي كانت تحمل السلاح، وأصبحت الآن جزءاً من عملية البناء السياسي والتنموي في البلاد، مشيرة إلى مؤتمر الحوار الوطني وما صدر عنه من قرارات وتوصيات، وقالت إنها دليل ساطع على انفتاح الفضاء السياسي السوداني.
وقالت الخارجية في بيانها، أيضاً، إن السودان يتمتع بحرية في مجال الصحافة متميزة ومشهودة، مشيراً إلى صدور أكثر من ثلاثين صحيفة يومية تحمل مختلف الآراء المعارض منها والمؤيد.
وأكدت الحكومة أن التعايش الديني في السودان أنموذجي ويراه كل منصف في الكنائس التي تجاور المساجد وفِي ترحيب أهل السودان باللاجئين دون سؤال أحد منهم عن هويته الدينية.
أما فيما يلي حقوق الإنسان فقد حاد تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر” عن المعتاد من رص مجموعة من العبارات الدبلوماسية غير المفهومة، حيث كان رد الحكومة واضحاً فيما يلي قضايا حقوق الإنسان داخل السودان، مؤكدة أنها شأن داخلي سيادي، منوِّهة إلى أن الحكومة مستعدة وبكل ثقة للارتباط الإيجابي آملةً أن يصاحب القول بالعمل فلا تتخذ إجراءات تحرم الشعب من حقه الأساسي في التنمية والغذاء والدواء، في إشارة واضحة لتخوف الحكومة من عدم إيفاء الولايات المتحدة بوعودها.
وفيما يلي السلام في دارفور والمنطقتين قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن الحكومة ارتضت أسلوب الحوار والتفاوض وأعلنت من جانب واحد وقف العدائيات وقبلت بالمقترح الأمريكي لإيصال المساعدات للمنطقتين وقد قوبل هذا المقترح بالرفض من الحركة الشعبية (شمال).
وأكد “الخضر” أن السودان بما له من موقع إستراتيجي وإمكانيات بشرية وطبيعية هائلة، ولما حققه من تقدم مشهود في خطة المسارات الخمسة يتطلع لرفع العقوبات الأمريكية لتفتح الطريق لعلاقات إيجابية مع الولايات المتحدة الأمريكية، علاقات يسودها الاحترام والتعاون والمنافع والمصالح المشتركة والتفاهم حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، في إشارة واضحة للتعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وفي رد مباشر على ما أشارت له السفارة الأمريكية في بيانها بأن حماية حقوق الإنسان متشابكة بعمق مع السلام والأمن في السودان.
تهديد الأمن الأمريكي
بينما تتعلق الحكومة بحبال الأمل التي بدأت بالذوبان بين أصابعها تتعرض لعواصف من المؤشرات السلبية ليس أولها قرار المحكمة الأمريكية بتأييد قرارات الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” حول حظر دخول مواطني عدد من الدول للولايات المتحدة الأمريكية من بينها السودان، والذي قالت الخارجية، إن السودان يأمل ألا يؤثر على الرفع المزمع للعقوبات الاقتصادية الأمريكية في الثاني عشر من الشهر الجاري، لكن ذات الموقف الذي اعتبره البعض سالباً، طوته الإدارة الأمريكية عندما أكد القائم بالأعمال أن حكومة بلاده لا تريد العودة بعقارب الساعة إلى الوراء في علاقاتها مع السودان. 
اتجار بالبشر
الحكومة حرصت على الرد على التصنيف الأمريكي في دول الثالثة  في التقرير السنوي لمكافحة الاتجار بالبشر للعام ٢٠١٦ الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، سيما وأنه يأتي متزامناً مع بدء العد التنازلي لليوم الموعود لإعلان رفع العقوبات الاقتصادية.
وقالت الخارجية في بيان رسمي، إن  تقرير واشنطن لا تسنده أي حقائق و وقائع وأدلة وبَيِّنَات، وقالت: إن التقرير جاء متجاهلاً لمعظم جهود الحكومة المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر.
 وذكر البيان أن الحكومة تلعب دوراً فاعلاً في محاربة الاتجار بالبشر إقليمياً ودولياً وأنه ظل محل إشادة وتقدير كبيرين من الدول المختلفة والمنظمات الدولية والإقليمية.
تضارب أمريكي
المراقب للتقارير والتصاريح الأمريكية يجد تضارباً كبيراً، فتجدها تارة تشيد بالخرطوم وتقدمها في المسارات الخمسة وتارة أخرى تبدي قلقها من كل شيء وأي شيء يخص السودان.
فإلي ماذا سيقودنا هذا التضارب؟ وهل تقصد الحكومة الأمريكية إظهار هذا التناقض والتباين في مواقفها ومواقف مؤسساتها ومسؤوليها لابتزاز حكومة الخرطوم من أجل تقديم تنازلات أكبر أم أن الخلاف بين المؤسسات الأمريكية فيما يلي السودان لم يتم حسمه بعد؟، لماذا يخشى القائم بالأعمال الأمريكي من قراءة الفنجان التنبؤ بالقرار المرتقب؟.
الخبير الاقتصادي د.”محمد الناير” يرى أن التضارب في تصريحات المؤسسات الأمريكية بات واضحاً في عهد الرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترمب”، لكنه أكد أنه بالرغم من هذا التضارب فإن التوقعات لازالت ترجح الرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية الأمريكية بعد عقدين رزحت خلالهم الخرطوم تحت الحصار.
ورجح “الناير” أن الملف الاقتصادي سيتم التعامل معه بمعزل عن الملفات الأخرى، وأن يتم تأجيل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتصنيف الاتجار بالبشر وغيرها والتي تحتاج لمجهودات أكبر من الحكومة.
تمديد فترة السماح..
في وقت توقع فيه بعض المراقبين بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بتمديد فترة السماح بدلاً عن الرفع الجزئي أو الكامل للعقوبات.
 تظل تصريحات الحكومة متشبثة بحبل التفاؤل الذي تفصلنا أيام عن معرفة مدى متانته.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية