تقارير

"موسفيني" رواية عن زعامة هزمتها الطموحات

أوراق من كمبالا
“حسبو” مع الأمين العام للأمم المتحدة و”الفطور على البصلة”
يوسف عبد المنان
قبيل عيد الفطر بيومين حملتنا الأقدار إلى بلاد نصف سكانها من الوافدين والنصف الآخر مهدد بالهجرة.. والسفر في رمضان مشقة ورهق، خاصة إذا كنت برفقة مسؤول مثل الشهيد “الزبير”- رحمة الله عليه- أو “حسبو محمد عبد الرحمن” الذي يسهر الليل ويقضي سحابة نهاره في خدمة البلاد التي ما أقعد بها عن اللحاق بركب الأمم إلا ضعف الهمة وعشى البصيرة.. وقد حطت طائرة نائب الرئيس بمطار مدينة عنتيبي التي تبعد عن العاصمة كمبالا بنحو (40) كيلومتراً، وحال كمبالا مثل كثير من العواصم الهادئة التي تخشى أو تخاف ضجيج المطارات وبذلك تنبذها وترفض أن تجاور المطارات، فهي مثل العاصمة المغربية الرباط التي تتنفس من خلال مطار الدار البيضاء، وكمبالا عاصمة فيها شيء من غرب أفريقيا وبعض ملامح مدن شرق أفريقيا، وشيء من الطراز الإسلامي وقليل من أنفاس أوروبا.. ثلاثة أيام في حضن كمبالا الدافئة هي رحلة هذه الأوراق الخريفية.
} ورقه أولى
{ القاهرة وجوبا في عين العاصفة
سلّمت الحكومة الأمين العام للأمم المتحدة ملفاً يحوي كل الأدلة والمستندات الخاصة بالدعم الذي قدمته القاهرة لمتمردي حركة تحرير السودان بقيادة “مني أركو مناوي” من أسلحة وعربات، ووثائق تؤكد ذلك. وعلمت (المجهر) من مصادرها الخاصة أن الملف الذي سلمه “حسبو محمد عبد الرحمن” إلى الأمين العام للأمم حوى (30) ورقة وصوراً ومعلومات كاملة عن الدعم المصري لحركة “مناوي” من أسلحة وعربات مصفحة، إضافة إلى (CD).. ولأكثر من ساعة تحدث “حسبو” والأمين العام مستر “أنطونيو” الذي للمرة الثانية يلتقي مسؤولاً سودانياً منذ انتخابه في ديسمبر الماضي، وبدا قادة الجيش والأمن المرافقون لـ”حسبو” أكثر ارتياحاً لنتائج اللقاء الذي تزامن مع إفطار رمضان واستمر طويلاً بعده. ولم يشأ الفريق “أسامة مختار” نائب مدير جهاز الأمن والفريق “علي سالم” وزير الدولة بالدفاع الحديث للصحافيين عن ما دار في اللقاء، الذي يعدّ من اللقاءات الناجحة جداً في زيارة نائب الرئيس.
{ الأفارقة في مواجهة مصر
في مؤتمر دول حوض النيل الذي عقد في كمبالا آخر أيام شهر رمضان وجد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” نفسه يقف وحيداً في ضفة وكل دول حوض النيل تقف في ضفة أخرى. لقد تخير الخطاب البعد عن مصر فأصبحت مثل السيف وحدها بسبب مواقفها السالبة من أي اتفاق لدول الحوض لقسمة المياه خلافاً لاتفاقية مياه النيل التي وقعت في الخمسينيات. وكانت معظم دول الحوض ترزح تحت نير حكم المستعمر وحينما أفاق الأفارقة من غفوتهم وفكروا وقدروا الاستفادة جميعاً من هذا المورد الذي تتحكم فيه دولة المصب وليس دول المنبع رفضت القاهرة قيام سد النهضة الإثيوبي وتربصت به.. ومن خطل السياسة المصرية في أفريقيا اعتمادها على استقطاب الوزراء الأفارقة كأشخاص بدلاً عن التفاهم مع دولهم ككيانات، وذلك ما حدث في بورندي وتنزانيا التي وقعت على اتفاقية حوض النيل وأطرتها في برلماناتها خلافاً لمواقف وزرائها.. وبسبب الوعي الذي يتمتع به قادة السودان من الجيل الجديد الذي يتولى ملف مياه النيل وهم يضعون مصالح السودان أولاً قبل مصالح مصر، التي كانت في السابق تستقطب بعض المسؤولين في وزارة الري ليصبحوا مجرد حامين لمصالح مصر، تبدلت الآن المواقف وموازين القوة وأصبح وزير الري في السودان يضع مصالح بلده قبل مصلحة مصر، لذلك “أخذت مصر على خاطرها”. 
كيف يقف “معتز موسى” والمهندس “سيف الدين” مع القسمة التي تقترحها اتفاقية عنتيبي التي لم يوقع عليها السودان بعد ولم يجزها البرلمان السوداني، لكنها قد تصبح أمراً واقعاً إذا ما أجازتها أغلب دول حوض النيل إثيوبيا، بورندي، تنزانيا، يوغندا ورواندا ووقفت مصر وحدها تعاني العزلة الأفريقية مثلما هي اليوم تعاني عزلة عربية.. وحينما وصل “السيسي” إلى عنتيبي رفض الانتقال براً لمسافة (40) كيلومتراً، والرجل مسكون بالهواجس الأمنية، لذلك تم نقل المؤتمر إلى مدينة عنتيبي بالقرب من المطار وبقصر “موسفيني” وسط إجراءات أمنية مشددة لم تشهدها يوغندا من قبل، ليمكث “السيسي” ساعات ويغادر إلى بلاده رغم أن الوفد المصري كان أكبر من وفود القمة مجتمعين، والصحافيون المرافقون لـ”السيسي” عددهم ضعف عدد كل الوفد السوداني الذي وجد التقدير بسبب الأطروحات التي دفع بها أمام المجلس الوزاري لدول الحوض التي أنقذت القمة من الفشل الذي كان يحيط بها.
{ سفارتان لبلد واحد
تنشط في يوغندا سفارتان لبلد واحد.. تتقاطع الخطوط وتتناسق.. وإذا وجدت السفير “عبد الباقي كبير” يحادث مسؤولاً يوغندياً ويرتب للقاء أو ينسق لموقف، فإن سفارة شعبية أخرى تنشط أيضاً في الاتصالات مع الحكومة اليوغندية، وما تلك السفارة إلا امرأة اسمها “نجوى قدح الدم” التي لعبت دوراً مهماً في تجسير العلاقة بين الخرطوم وكمبالا بعد سنوات من القطيعة والتوتر والاتهامات.. و”نجوى” شخصية مثيرة للجدل في الوسطين اليوغندي والسوداني معاً، فالمرأة الأربعينية خريجة جامعة الخرطوم كلية الهندسة لم يعرف لها انتماء سياسي حينما كانت طالبة بالجامعة، لكن عرف عنها النبوغ والذكاء الحاد لذلك تخطفتها المؤسسات الغربية بعد تخرجها في الجامعة وأصبحت موظفة في الأمم المتحدة، وفي النمسا إحدى أهم دول الاتحاد الأوروبي تزوجت “نجوى” من رجل نمساوي، وهناك التقطها “موسفيني” وقربها إليه للاستفادة من قدراتها وإمكانياتها وعلاقاتها، فأصبحت الدجاجة التي تبيض ذهباً لكمبالا.. ولكن المرأة متوسطة الجمال، واسعة المخيلة، كبيرة الطموح، لم تنس وطنها السودان.. ظلت قريبه منه، وفي السنوات الأخيرة لعبت “نجوى” دور الوسيط بين كمبالا والخرطوم وحققت نجاحات كبيرة جداً بتجرد ووطنية، وتقديراً لدورها الكبير أصدر “البشير” قراراً بتعيينها سفيراً بالخارجية، لكن قبل أن يصلها قرار التعيين الذي لم يرق لكثير من سفراء الخارجية ومنهم سفير السودان بيوغندا اختارها “موسفيني” مستشاراً له في القصر مسؤولة عن الاستثمار الذي بطبيعته أقرب للشأن الخارجي.
ظلت “نجوى قدح الدم” تلعب دور السفير والسفارة، ولها علاقات أفقية مع المجتمع ورأسية مع كبار رجالات الدولة، لذلك نجحت فيما فشلت فيه السفارة، وهي تقدم خدمة كبيرة لوطنها وغير مهتمة كثيراً بتعليقات الرافضين لدورها الدبلوماسي غير الرسمي.. وفي مؤتمر اللجوء الذي عقد يوم الثامن والعشرين من رمضان المنصرم لعبت “نجوى” دوراً في لقاء “حسبو” بـ”موسفيني” الذي شهد مواجهة حول الوجود المعارض للسودان في كمبالا من الحركات المسلحة.. ولم تقتصر المعلومات التي قدمها “حسبو” لـ”موسفيني” على الوصف وأسماء المعارضين، بل حدد الملف الذي تسلمه “موسفيني” أماكن وجود المعارضين في المدن اليوغندية والفنادق التي يقيمون فيها وأرقام هواتفهم والاجتماعات التي يعقدونها.. لكن “موسفيني” يقول إن بلاده مفتوحة للأفارقة من طالبي اللجوء الإنساني من كل جهة، وقد أكدت حكومة يوغندا استعدادها لتجفيف أي وجود معارض.
} ورقة ثانية
{ جوبا تحت نيران الأفارقة
خيبة أمل الدول الأوروبية في الدولة الفاشلة بقيادة “سلفا كير ميارديت” نسبة للأوضاع الأمنية المتدهورة في دولة جنوب السودان تجلت في أحاديث سفراء الاتحاد الأوروبي في مؤتمر اللجوء الذي عقد في كمبالا، ولم يخف كل المتحدثين قلقهم بل نقدهم الجهير للأوضاع في جنوب السودان، خاصة الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان قبل تولي أرفع منصب في العالم مفوضاً مختصاً باللجوء ويعلم أسرار انفصال جنوب السودان، لذلك حينما تحدث في المؤتمر قال إنه كان شاهداً على الفرحة العارمة التي غشيت معسكرات اللجوء في يوغندا وكينيا لحظة التوقيع على وثيقة اتفاق السلام عام ٢٠٠٥ بين الخرطوم ومتمردي الحركة الشعبية، لكن خيبة الأمل جسدها موت الفرح في الشفاه واندلاع الحرب مرة أخرى.. وعودة الحرب لجنوب السودان أفرزت دموعاً وأحزاناً، وآلاف اللاجئين تبعثروا في دول الجوار يبحثون عن لقمة العيش والأمان بعد أن أصبحت جوبا مدينة الرعب والخوف والموت، وتوالت إدانة الوضع في الجنوب من قبل المبعوث الألماني والوزير البريطاني وسفراء النرويج وإيطاليا والولايات المتحدة الذين تحدثوا في الجلسة التي حدد مسارها “موسفيني” وهو يخاطب المؤتمر بنبرة مسرحية وسخرية لاذعة من رجل عركته التجارب وأنضجته سنوات الحكم الطويل وهو يسأل المجتمع الدولي الدعم من أجل تحمل مسؤولياته بالإنفاق على إفرازات حروب الجوار.. ويبلغ عدد اللاجئين في يوغندا نحو مليونين، منهم نحو (900) ألف من جنوب السودان ومن الكونغو وراوندا وبورندي وشمال السودان.. لكن “موسفيني” ينتهج سياسة احتضان يوغندا لأي أفريقي، وأن يذوب اللاجئون في المجتمع بلا معسكرات تشرف عليها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وقد حصدت يوغندا أكثر من مليار دولار من الدول التي دعتها، وجاءت أكبر مساهمة من بريطانيا (50) مليون دولار، وحينما تقدم السفير السعودي لمخاطبة المؤتمر فتحت أفواه عديدة في انتظار أن تنهمر الدولارات، لكن جاء التبرع السخي من دولة قطر بـ(20) مليون دولار ومثلها من الكويت، وأقل منها الإمارات العربية المتحدة.. وفقراء أفريقيا دعموا يوغندا معنوياً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية