خربشات الجمعة
تستطيع الحكومة فرض سيطرتها على الإذاعة والتلفزيون وقد نجحت في ذلك وجعلت التلفزيون القومي لا يشاهده حتى العاملون في الهيئة نشرة أخبار باردة وميتة.. ومراسيمه تجعل من زيارة الرئيس لأي متحف مقدمة على أي خبر آخر.. وتتسلسل الأخبار حتى تبلغ وزراء الدولة.. والصحافة التي تؤثر على الرأي العام تدنى توزيعها بسبب عزوف الناس عنها.. وانفضِّوا عن قراءة الصحف التي تتعرض للرقابة من حين لآخر.. وللمصادرة والمحاصرة القانونية والتعتيم، لذلك اتجه الناس لوسائل التواصل الاجتماعي الذي تمزج الحقائق بالأكاذيب الضالة.. والأجندات بالأغراض وحاصرت وسائل التواصل الاجتماعي من (فيسبوك) و(واتساب) الحكومة وجعلتها في موضع حتى غير القادر للدفاع عن نفسه والفاشل في التصدي لخصومه.. ومنذ أسبوعين الحكومة محاصرة ما بين إعفاء الفريق “طه” وما بعد الفريق “طه” وتعرضت صورة النظام لتشوهات كبيرة يصعب إعادة تجميلها في وقت تبدو فيه الحكومة عاجزة تماماً عن مواجهة سيل الإعلام الشعبي الذي لا يمكن رقابته والسيطرة عليه إلا بالحقائق المجردة.. ومقاومته بذات السلاح الذي يستخدمه.
(2)
في مثل هذه الأيام تسافر الأرواح إلى مراتع الصبا.. وقطاطي القش في الريف.. بحثاً عن ابتسامة صافية في يوم عيد الفطر المبارك، ودعاء صادق يخرج من جوف امرأة نقية الدواخل (يا وليدي الله يبارك فيك).. العيد مناسبة لجمع شتات الأسر المبعثرة.. والعيد في الريف له طعم ومذاق.. ولا يزال الشباب يهاجرون في عطلات العيدين إلى الريف.. لنيل رضاء الوالدة والوالد والأهل واستعادة ذكريات الصبا.. في العيد الحالي رغم قسوة الظروف وإقبال المواطنين على احتياجات رمضان ليباغتهم العيد السعيد بمطلوباته.. وقبل أن يفيقوا من الصرف الكبير على رمضان والعيد تعلن الحكومة فتح المدارس في الأسبوع بعد القادم لتضاعف من مشكلات الأسر.. لكن يظل التفاؤل بالمستقبل وهو الزاد في الرحلة القصيرة للإنسان في هذه الحياة بدلاً عن الأحزان القديمة.
(3)
كلما ردد راديو أم درمان في هجعة الليل أغنية الحزن القديم تذكرت صديقي الراحل “عمر الطيب الدوش” الذي تعرفت عليه من خلال أغنياته وقصائده.. ولكن توثقت علاقاتنا به بفضل أستاذ الجيل الصحافي “كمال حسن بخيت” وقد جمعتنا صحيفة القدس العربي في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، كان “عمر الطيب الدوش” يسير في شوارع الخرطوم شامخاً عفيفاً.. رغم الفقر والحاجة والعوز.. لكنه يخرج من أم درمان بعد التاسعة صباحاً ويجلس بمكتبي يحدثني عن كل شيء.. ويطلق الكلمات الساخرة في وجه الزمان، ولكن الحزن في “الدوش” عميق جداً.
ولا الحزن القديم أنتي
ولا لون الفرح أنتي
ولا الشوق المشيت بيه
وغلبني أقيف ولا بنتي
ولا التذكار ولا كنت..
كان “الدوش” يغني نفسه بأشعار “محمود درويش” ويردد مقطوعات من موسيقا “أحمد مطر” الشعرية.. ولا تعني له الدنيا شيئاً في غدوِّه وترحاله بجسده النحيل وخطاه التي تكشف عن شخص جاء لهذه الدنيا وقال كلمته.. وخرج منها.. سألت “عمر الدوش” في حوار صحفي نشرته الغراء (ألوان) عن أجمل أبيات في الغناء السوداني فقال إنها كلمات “الجيلي عبد المنعم”
عاد الحبيب فأهدى لكل قلب سلاما
أهدى العيون بريقاً وأهدى الدهور ابتسامة
كيف ينسى فؤاداً أهدى إليه الغراما
وكيف ينسى محباً أمس يدوب هياما
رحم الله الصديق “عمر الطيب الدوش” الشاعر والإنسان والقلب المترع بالحب والجمال.
(4)
أسوأ ما يتعرض له الصحافي أن يجد نفسه (مسجوناً) يدافع عن أشخاص ويهاجم آخرين.. من أجل أولئك الأشخاص يصبح القلم في خدمة الأسياد.. وتفقد الصحافة قدسيتها حينما تصبح مطية لأصحاب الأغراض والأهداف.. تحارب الصحافة بعض المسؤولين نيابة عن بعض السياسيين.. وفي زماننا هذا أصبح هناك من يتقمصون شخصيات غيرهم.. حتى الكتابة القومية هناك من يكتب نيابة عن آخر.. وهناك من يخاصم نيابة عن الآخر.. إنها سنوات القحط والجفاف في كل شيء.
(5)
الانتصار الذي حققه هلال الأبيض على سموحة المصري رفع اسم أولاد كردفان عالياً.. وشاهد العالم العربي جميعه التحفة العمرانية ملعب قلعة شيكان الذي شيده مولانا “أحمد هارون” بالعرق والسهر والهمة والرغبة في العطاء.. واستطاع “هارون” بناء فريق يستطيع المنافسة في كل المحافل الأفريقية وفي أول مشاركة له يقدم هلال الأبيض نفسه بطريقة مختلفة ويصعد لدوري الثمانية نظرياً حتى الآن قبل جولتين من نهاية الدورة الحالية.. المباراة كشفت عن المعادن النفيسة في صفوف الهلال الأبيض خاصة الجوهرة “ود الطاهر” والساحر الأيفواري “مكورو” والمدافع الصلد “بكري بشير” وجميع لاعبي الهلال الذين لم يخذلوا مولانا “أبو سبحة” وهي سبحة تجانية وفي آخريات رمضان.
كان النصر على الفريق المصري له أكثر من دلالة رياضية واجتماعية وسياسية.. ومبروك أولاد كردفان.