بعد ومسافة
“البكري” تكريم مستحق.. و”مهدي” رحيل مر
مصطفى أبو العزائم
قبل أيام قليلة كرّمت إذاعة (بلادي) في إفطارها الرمضاني الأول، أستاذنا وأستاذ الأجيال شيخ النقاد الفنيين الأستاذ “ميرغني البكري” الذي يعدُّ أحد رواد الصحافة الفنية التي بدأ عمله فيها منذ أكثر من ستين عاماً – أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية – وقد كان التكريم مشرفاً يليق بشيخ النقاد الفنيين الذي تأثر به غالبية العاملين في مجال الصحافة الفنية، وقد شهد التكريم من الجانب الحكومي الرسمي الأستاذ “مصطفى تيراب” وزير الدولة بوزارة الثقافة الذي ألقى كلمة معبِّرة نقل من خلالها ما يدور في دواخل أبناء وتلاميذ الأستاذ “البكري” داعياً من خلالها إلى تجاوز الأشكال الاحتفالية التقليدية في التكريم بحيث لا يصبح (قطعة قماش) و(شهادة تقديرية) وأحسب أنه كان محقاً في ذلك.
التكريم كان مشرفاً ومعبراً لأنه تم وسط وبين تلاميذ الشيخ الأستاذ “البكري” وهذه مبادرة عظيمة من إذاعة بلادي وطاقمها العظيم وعلى رأسه المهندس “عبد الرحمن إبراهيم عبد الله” مديرها العام وإلى جانبه مستشار البرامج الأستاذ “شكر الله خلف الله” الذي سبق أن أطلق عليه شيخ النقاد الفنيين لقب “مخرج الروائع) وبقية العقد الفريد في مختلف الإدارات ومن بينها أحدث تلك الإدارات وهي المكتب الصحفي لإذاعة بلادي الذي سعى منذ البداية إلى تأسيس علاقة قوية مع أهل الصحافة والإعلام من خلال التواصل المستمر الذي كان من ثماره لقاء التكريم المشهور، فالتحية لهم أجمعين وللمبادرة الطيبة التي جمعت كل أهل الصحافة الفنية وقد تحدث منهم عن كبيرهم الذي علمهم السحر الأساتذة “شكر الله” نفسه ومشاعر عبد الكريم” و”عبد الباقي خالد عبيد” و”الزبير سعيد” وغيرهم فأجادوا وعبروا عن غيرهم جزاهم الله خيراً وجزى أهل بلادي ومديرها العام ومستشارها البرامجي وآخر الملتحقين بها في المكتب الصحفي الأستاذ “مؤمن مصطفى” كل خير.. فقد أبهجوا ليالينا وأسعدونا بتكريم تعدى صاحبه إلى الجميع.
“مهدي” رحيل مر..
هذه هي الدنيا.. هناك أناس يساوون الكثير، عقولهم كنوز معرفة وعلم وتجاوب، لا يندفعون وراء باطل ولا يقفون في مواجهة حق، يعيشون بيننا ولا يسعون لإبراز وجودهم ويرحلون عن دنيانا فجأة وهم أعظم تأثيراً على أهلهم وأصدقائهم الذين يملأ بعضهم الدنيا حركة في كل الاتجاهات بينما يقبع المؤثر بعيداً عن الظل.. هكذا كان صديقنا العظيم الراحل المقيم وأستاذنا بحق “مهدي نور الدين” ابن الحاج نور الدين عبد الرحمن من الحاجة “حفصة” رحمهم الله جميعاً، وهكذا كنا نحن، ورغم أن فارق السن لم يكن كبيراً بيننا إلا أننا كنا لرجاحة عقله وقوة منطقه وسلامة حججه نعتبره أستاذاً لنا جميعاً.
قرأت خبر وفاته في منشور يضج بالحزن ويفيض بالدمع لصديقنا الأستاذ “محمد حامد جمعة” الصحفي صاحب الأسلوب الأخاذ والمفردات المتميزة، وكان ينعي فيه “مهدي” الذي عرفه لسنوات.. فكيف يكون حال من عرفة لعقود مثلنا؟
هو الشقيق الأكبر لأحد أصدقاء العمر وزملاء المهنة في صحيفة الأيام الغراء بدايات عهدنا بالصحافة، الأستاذ “نجيب نور الدين” لكن العلاقة امتدت وتداخلت وأصبح هناك تواصل أسري قوي، وما كان أحدنا يظن يوماً أننا سنفترق، لكنها هي الدنيا.
لم أحتمل الصدمة، فكنت مع أخي “نجيب” في منزله بالحارة الواحد والعشرين بمدينة الثورة عند الواحدة والنصف صباحاً، ولم أكن متحرجاً بسبب تأخير الوقت خاصة وأنني أحس بأنني جزء من ذلك البيت الكريم، وعندما وصلت إلى هناك وجدت صديقنا وزميلنا الأستاذ “فتح الرحمن النحاس” وظللنا نعزي بعضنا البعض ونذكر محاسن الرجل الطاهر الفاضل الراحل “مهدي نور الدين” ونترحم عليه إلى ما بعد الثانية والنصف صباحاً.
رحم الله “مهدي نور الدين” وغفر له وعفا عنه وأسكنه فسيح جناته وألهمنا وآله وكل أصدقائه الصبر والسلوان.
(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)