البروفيسور عقيل سوار الدهب وأسرار الطبابة الشرعية ، في حديث للمجهر.. ( 2ـ 2)
* ما حصل مر علينا (15) يوم إلا وجابوا لينا طفل أو طفلة عشان نكشف عليه…!
* وزارة العدل وقفت معنا وجرمت ختان الإناث بكل أشكاله وعدّته جريمة.
* لابد للطبيب الشرعي من أن يكون شقيقاً للعدالة..!
حوار ـ هبة محمود
{ دكتور “عقيل” تحدثنا سابقاً عن عدم أخذ الطب الشرعي مكانته بين التخصصات الأخرى.. فهل توافقني الرأي أنه مجال منفر؟
_ على العكس، هو مجال قيم والعمل فيه ممتع، بل هو علم واسع وفيه خير الدنيا والآخرة.. ما لا يعلمه الآخرون أن مجال الطبابة الشرعية يستطيع أن يتوئمك مع جهات ذات قيمة، فهو يتوئمك مع العدالة فتصبح أنت نداً وشقيقاً للقاضي وصديقاً له ولوكيل النيابة وللشرطة ولمسرح الحادث لأنك الوحيد الذي تستطيع أن تستخلص لهم الحقائق، فأنت ضلع أساسي في القضية.. يعني توجد جثة داخل منزل مثلاً، القاضي لا يعرف وضعها ولا يعرف التغيرات التي حدثت ولا سبب الوفاة ولا الأشياء التي حولها، لكن أنت أي- الطبيب الشرعي- بجانب مسرح الحادث والتحقيق الجنائي تستطيع أن تستخلص لهم كل شيء، فأنت تريح العدالة.
الطبيب الشرعي يبسط العدالة للقضاء ويجهز لهم طبقاً قيماً من المعلومات التي تحتويها الجثة، لذلك أنا أقول لابد للطبيب الشرعي أن يكون شقيقاً للعدالة.
{ يمكن للطبيب الشرعي أن يكون غير أمين؟
_ هذه أمانة ومسؤولية.
{ يشترط وجود دكتور “عقيل” أمام كل جثة؟
_ (ضاحكاً).. أنا كل يوم في المشرحة إلا إذا كنت خارج الخرطوم أو السودان أو مريضاً، لكن رفيقيّ وأخويّ دكتور “صابر مكي” ودكتور “الطيب” معي داخل المشرحة، هما طبيبان شرعيان ومقتدران وعالمان وعارفان يستطيعان أن يكونا (الحيران الغلبوا شيخهم).
{ يقومان برفع تقريرهما لك؟
_ في بعض الأحيان عندما أكون موجوداً.
{ وهل يدليان بشهاداتهما أيضاً أمام القضاة؟
_ نعم.. هما يقفان أمام المحاكم، فالقصة لا تحتكر على شخص واحد.
{ أكثر الحالات التي تأتي في المشرحة؟
_ أكثر الحالات هي حوادث السير والمرور نسبتها عالية، هي الغالبة، وتأتي في المقام الأول.. كثر الحديد في البلد وكثرت الحوادث والقيادة بإهمال رغم المجهود الكبير الذي تقوم به الشرطة ورجال المرور لكن أفتكر الحوادث ما زالت في ارتفاع جنوني وغير مبرر.. وتلي الحوادث المرورية في المقام الثاني حوادث الغرق، ودائماً ما أقول إننا ما دام لدينا أطول نيل يمر بكل القرى والمدن والناس تتخذه متنفساً يذهبون إليه فلابد من وقوع حوادث غرق وخاصة الأطفال، وتكثر الحالات في فصل الصيف.. بعد ذلك تأتي حالات التسمم بالصبغة والأشياء الأخرى، وحوادث الشنق والطعن وهي كثيرة بواسطة الأدوات الحادة كالسكاكين والسواطير، وحوادث العنف المختلفة وحوادث الإطلاقات النارية.
{ حوادث الطلق الناري كثيرة؟
_ والله هي في السودان ما كتيرة إلا إذا حدث انفلات تحدث فيه وفيات عالية.
{ عقب هذه السنوات الطويلة كيف تقيم تجربتك؟
_ والله شوفي، يعني استطاع كثير من الأطباء إدراك مفهوم الطب الشرعي، وبعض الجامعات تدرسه لعام كامل الخرطوم وابن سينا وأم درمان الإسلامية، ودي حاجة مهمة بقينا نودي الطالب لمسرح الجريمة والكلاب البوليسية وللمحكمة ولمعامل الأدلة الجنائية ويعرف السموم واستخلاصها، بقينا ندرسه بطريقة علمية ويجي المشرحة ويشوف على الأقل (15) جثة، والجامعات الأخرى من بقية الولايات ترسل طلابها.. أفتكر إنو الطب الشرعي بدأ يجد حظه من بين العلوم المختلفة، وأفتكر إنه أبو العلوم وهو يدخل مع كل العلوم ومتوئم معها، نحن الآن نعرف الحمل وكيفيته وختان الإناث، وهذا يتداخل مع اختصاص النساء والتوليد، ومن هنا نحن نجرم ختان الإناث بكل أشكاله، لأن أنا عندي أطفال هنا ماتوا.. (المحلة الوحيدة الماتوا فيها أطفال هي مشرحتي).
{ أعداد كبيرة يا دكتور؟
_ الآن لي ستة أعوام ما جابوا لي جثة هنا لكن قبل كدا في كل سنة بتجيني اتنين وثلاثة، وفي حالات وثقنا ليها والنيابة وقفت معانا موقف كبير، وزارة العدل في لحظة من اللحظات وقفت معانا موقف مشرف، وهي التي سمحت لنا كأطباء أن نخرج في تظاهرة كبرى وصلت القصر الجمهوري، والآن ما في تظاهرة وصلت القصر الجمهوري في عهد الإنقاذ إلا تظاهرة ختان الإناث.. والحمد لله أدى الطب الشرعي دوره في ختان الإناث ووزارة العدل وقفت معنا وجرمت ختان الإناث بكل أشكاله وعدّته جريمة.
{ الحمد لله أصبح في وعي؟
_ نعم.. نعم.
{ بعيداً عن الطب ما لا يعرفه الناس عنك؟
_ صبور في كثير من المواقف، وأسأل الله أن يكون ديدني، وقنوع بما آتاني الله وبعدين حبيب للأطفال وأخاف عليهم كثيراً خاصة في بلاد كبلادي أخاف عليهم كثيراً بأمانة لأن الاعتداءات على الأطفال كثيرة، ودي ما من شيمنا.. زمان كان الشارع جزءاً من تربيتنا.. تربينا في قرى كانت آمنة والناس كانت تربينا الآن أي إنسان خائف على طفله.. وأنا من المشرحة من هنا بنقل الرؤية الحقيقية، نحن ما حصل مر علينا (15) يوم إلا وجابوا لينا طفل أو طفلة عشان نكشف عليه.
{ النسبة كبيرة؟
_ النسبة كبيرة حتى من أقاليم السودان المختلفة وبرسلوا لي اكشف عليهم رغم أني اعترض وأقول لهم هناك في طبيب شرعي وفي ناس ودكاترة وناس أحسن مني في النساء والولادة أمشوا ليهم يقولوا لي وكيل النيابة رسلنا ليك، ودي رسالة مهمة الكشف على الأطفال في حالة الاغتصاب، الكشف العاجل المبكر أفضل عشان يقدر الطبيب يعرف أشياء مهمة خاصة الدفق المنوي ودا شيء مهم، ويقدر يرسله للمعمل الجنائي ويستخلص منه الحمض النووي عشان العدالة، لكن مش يجيبوه لينا بعد (15) من سنار يقولوا لي أكشف عليه، وأنا برفض في كتير من الأحيان وبرفع تلفوني لوكيل النيابة وبتكلم مع الأطباء الهناك وبقول ليهم أكشفوا عليه في لحظته.
{ الكشف عن حالات الاغتصاب تتبع لكم أيضاً؟
_ أيوة طبعاً واسمها الطبابة الشرعية الإكلينيكية، الطب الشرعي فيه علوم تتوئم علوم تانية كثيرة وغير معروف للناس والناس بفتكروا إنه تشريح فقط، هو أبو العلوم ويدرس أدبيات وأخلاقيات مهنة الطب، لازم طالب الطب نعلمه كيف يتعامل مع المريض، كيف يتعامل مع زملائه وكيف يتعامل مع الاستاف بتاعه، ومع المستشفى والعنبر وسرير المريض والدواء ونوريه إنو المريض ليس حقل تجارب دا إنسان، يعني إذا جيت تديه الأمبولة لازم تقراها وتعرف المكتوب عليها شنو، لازم تعرف مصدرها وكيف بتمشي في الجسم وتاريخ إنتاجها وصلاحيتها.. أعتقد أن الطبيب لازم يتنزه عن أشياء كثيرة ويعلم أن مهنته تختلف عن كل المهن، لكن لا بد أن نحترمه.. الطبيب والمعلم كلاهما إن لم يكرما لن يعطيا، نحن كشعب وكحكومة وكوزارة لابد أن نحترم الطبيب وتعطيه حقه وماله ووضعه، والأطباء في لحظة من اللحظات كانوا مرتاحين لو قلت ليهم أمشوا السعودية ما بمشوا.. ولابد أن نحافظ على النواب لأنهم ثمرة المستشفيات في العالم وتدي النائب حقه، لكن أن تختفي الأشياء ويختلط الحابل بالنابل ويتم الاعتداء عليهم، أنا بفتكر تتدنى الكفاءة عند الطبيب في هذه اللحظة.
{ لكن الكثير من الأطباء لا يقدرون المرضى وهذا ما يقود للاعتداءات التي ذكرتها؟
_ أنا طبيب قديم تخرجت في العام 1981 وكان أول تعييني في مستشفى بحري التعليمي ووجدت أساتذة كرام وأسماء عظيمة وجليلة وأساتذة رحماء بالناس ورحماء بالأطباء أنفسهم، كانوا يعلموننا تعليماً خاصاً ويروننا ما قيمة المهنة وعظمتها وكيف نتعامل مع المريض.. أنا بقول يا أخوانا أحوج ما يكون في هذه الدنيا هو المريض وليس الفقير قبل الميت.. الميت بين أيدي الله وهو أرحم منا وهو الذي خلقنا، لكن المريض هو أحوج إنسان لنا نحن الأطباء والممرضين والسسترات والعاملين في الحقل والصيادلة، وهو بين رحمتنا نحن.. لابد أن يعامل معاملة كريمة، لابد أن نطببه طبابة قيمة ونجد له السرير النظيف والدواء، ولابد أن نشخصه تشخيصاً راقياً ونوفر له سبل الراحة، وأنا أتساءل كيف نقول لمريض (أطلع برة أعمل صورة أشعة وهو مريض وتعبان) لا يجوز.. وأنا أفتكر أن مهنة الطب في زمن ليس بالبعيد كانت أفضل من اليوم.. اليوم توجد كل التقنيات الـ(سي تي) و(أم آر آي) والموجات الصوتية الحديثة، والتحاليل الحديثة، ويوجد الدواء الحديث، لكن التشخيص الكلاسيكي القديم السمح، الطبيب والسرير والدواء والنظرة الطيبة والابتسامة هي كانت الشفاء والدواء الشافي والكافي.
{ الآن انتفت والمرضى يعانون؟
_ الآن المرضى يشكون وأهلهم يشكون والإعلام يشكي، ونحن كلنا ننتظر رحمة الله تعالى ورحمة الله قريبة، وعلى الرغم من ذلك يجب علينا كشعب وكحكومة وكوزارة أن نحترم الطبيب ونعطيه حقه وماله ووضعه.
{ عدد النساء في الطب الشرعي؟
_ في السودان النسبة صفر، هناك طبيبة واحدة وصلت لها عام واحد.
{ كيف استطاعت هذه الطبيبة التعامل مع الطب الشرعي؟
_ والله لا أريد التحدث عنها.. خليها.
{ أغرب حالة تشريح؟
_ “ندى”.
{ احك لنا قصتها؟
_ “ندى” فتاة الغابة قصتها أخذت وقتاً طويلاً من قبل النيابة عبر إجراءات طويلة وغيره، اكتبيها “ندى” وخلاص.
{ طيب لو تحدثنا عن الجانب الأسري؟
_ لدي أربعة أولاد، أنا جد، قبل شهر احتفلت بحفيدتي من ابني الأكبر.. عندي أربعة أبناء وبنت واحدة
{ هل منهم من انتهج نهجك؟
_ والله في واحد انتهج الحقل الصحي، لكن عندما أتحدث معهم لا يحبون الطب الشرعي.
{ يسألونك عن كيفية وتداعيات الدخول إلى هذا المجال من الطب خصيصاً؟
_ هم لا يحبون التحدث فيه إطلاقاً ووارد أنهم يعدّونها مهنة مع زول ميت.
{ د. “عقيل” والسياسة؟
_ أنا صمت كثيراً عن السياسة.. أنا ختمي اتحادي ديمقراطي، ولكن في الآونة الأخيرة أنا صمت في الحوار الوطني، كنت أشعر أن هذا الحوار هو قيم ومثمر وممكن يدينا إيجابيات كثيرة، وكنت بحمد الله كثيراً على الأمان الموجود في الخرطوم يعني (15) مليون في الخرطوم عايشين في أمان يختلف عن كل الولايات.. عندنا لاجئين ونازحين ومن دول الجوار لكن الناس تنام مغمضة العين وهي في أمان، والأمان هو جزء من سنّة الحياة إن لم يوجد أمان لا يوجد حياة.. يوجد أمان في السودان فلو دلفنا على الحوار الوطني فالمؤتمر الوطني عارف بعمل في شنو، وحريص على إنو بعمل في شنو، وفي دهاليز السياسة متمرسين على العمل السياسي والإداري والحزبي، وهم قابضين على فلسفتهم ونهجهم وطريقة عملهم السياسي، والناس الجات للحوار الوطني كلها أنا أفتكر أن الرؤية حقتها رؤية منتقصة وغير ثاقبة، أنا إنسان من أكثر الناس بتابع يعني، أنا لو ما تابعت الأخبار السياسية ما بنوم، يعني أنا كنت متابع فرنسا بشغف كبير يعني رئيس صغير ينتصر على الأحزاب التقليدية، نحن هنا كم وأربعين حزب وزي ما قال رئيس الوزراء متنافسين على كيكة صغيرة، أنا أفتكر إننا نحن جينا متنافسين على شيء معين وهو المناصب السياسية، يعني نحن ما جينا لرؤية السودان، كل شخص عايز يجلس على الوزارة عشان كدا المؤتمر الوطني ذكي بما يحمله من ذكاء ورؤية ثاقبة ومن فهم مكنه من حكم بلاده بخلاف ديل الجوا يتنافسوا على شيء يريدونه لأنفسهم لا يريدونه للسودان عشان كدا أنا نأيت بنفسي أن أبارك لاتحاد ديمقراطي أو حزب أمة، لا أثق فيهم، فقط دي أحزاب جات لشيء في نفس يعقوب لم تأت من أجل السودان ومصلحته ولا كينونة السودان ولا لأطفاله ولا لأبنائه، لهم هم ولأنفسهم وأبنائهم ولجاههم ولسلطانهم.
{ زاد احترامك للمؤتمر الوطني؟
_ زاد احترامي للمؤتمر الوطني، لهذا الحزب الذكي.
{ شكراً لك دكتور؟
_ شكراً جزيلاً.