البروفيسور والخبير الإعلامي "علي شمو" لـ(المجهر السياسي) 3-3
قبلت عزومة “الإنقاذ” لأعمل معها وكأنه (نداء وطني)
أنا تجاوزت الثمانين (وما بقدر أدير ولو مكتب صغير)
حوار – صديق دلاى
{ أين كنت في ثورة أكتوبر 1964؟
– في أنديانا، مبعوثاً من حكومة السودان بسبب المعونة الأمريكية.
{ كيف تنظر لها من كرسيك الحالي؟
– كان الشارع مدنياً جداً ضد حكومة عسكرية، وهي نموذج لثورة شعبية حقيقية.
{ ولكن سرعان ما نجدك مع “مايو” العسكرية وأنت من المستنيرين؟
– (ما أنا وحدي من المستنيرين كنت هناك) بل كلهم.
{ هل هذا مبرر؟
– ليس مبرراً وأنا ما فكرت كدا (إنو دا نظام عسكري).
{ غريبة؟
– لأنني لم أكن سياسياً.
{ ما نوع أجندتك الخاصة؟
– نحن من أسرة ختمية اتحادية، وزيادة على كدا كان أبوي تاجر وهو أول من عمل مؤتمر في الجنينة.
{ “اتخارجت” من مصر خوفاً من اتهامك بكونك إسلامياً؟
– نعم “اتخارجت”، وعدت لبلدي.
{ وأنت من أسرة تتحادية؟
– أعتقد أنه لا يوجد تناقض أن تكون اتحادياً وإسلامياً في نفس الوقت.
{ تنظمت ذات يوم؟
– طول عمري لم أنتظم مع أية جماعة أو حزب.
{ مجرد انتماء؟
– ما عندي أي انتماء، وأنا تجاوزت الحاجات دي.
{ كيف استطعت أن تكون أول من يحاور الرئيس “نميري” يوم 29 مايو بعد أربعة أيام فقط من الانقلاب؟
– كنت رئيس التلفزيون، والثورة الجديدة عبر رئيسها عاوزة تتكلم مع الشعب وكنت أصلاً مذيعاً، وأكتر زول مناسب ليحاوره.
{ في الأيام الأولى أي رئيس انقلاب تكون عيونه حمراء ولا يتحمل الأسئلة الصعبة؟
– سألت الرئيس “النميري” كل الأسئلة الصعبة والخطرة وكنت مشبعاً بآراء الشارع.
{ وضعوا ليك خارطة طريق لنوع الأسئلة على الأقل يا عم “علي”؟
– خالص والله، ونهائي، ومثل هذه الأساليب لا تنفع مع رجل مثلي لأنها تلمس كرامتي المهنية، وتلك دونها الاستقالة.
{ كيف كان “النميري” في تلك اللحظات؟
– بسيط جداً وهو ذاتو ما عارف الحاصل شنو، كان مجرد عسكري تمت ترقيته من عقيد إلى لواء وكنت أناديه بـ”جعفر محمد النميري”، فكان يصححني بـ”نميري” وليس “النميري”.
{ حالته العامة؟
– جياشي وعفوي.
{ سألته عن هوية مايو؟
– أكد أنها هوية شيوعية، ولكنه ليس شيوعياً.
{ “عبد الخالق” بعيون “علي شمو”؟
– بكل أسف لم أقابله كما ينبغي وهو من الناس المحترمة جداً، وحتى ونحن في مصر لم ألتق به.
{ خسارة؟
– خسارة كبيرة والله.
{ “الشفيع” كمان قصة أخرى من الاحترام؟
– أنا بعرف أخوته وكان “الهادي”، زميلي وسكنا في أوضة واحدة.
{ عدنا للعبة كفة الميزان بين “سعاد الفاتح” و”فاطمة أحمد إبراهيم”؟
– نفس الإجابة، هما رائدتان ومختلفتان بينهما صفات (بنات بلد أصيلات).
{ لكن الاختلاف الأيديولوجي الحاد يحدد درجة اللون ومستوى الفرق وهكذا أمور؟
– ومع كل ذلك الاختلاف فهما أقربهما لبعض، وفي حياتي لم أر ناس مختلفين ومحترمين لبعضهما البعض خاصة بين الحاجة “كاشف” و”سعاد الفاتح”.
{ هل اللقب حقيقي “سعاد الفاتح” (أم أفريقيا)؟
– مثل “وردي” عملاق أفريقيا، لا يوجد استفتاء.
{ كيف كانت تنظر مايو اليسارية لـ”علي شمو”؟
– رجعي محافظ.
{ عاصرت السيدة الأولى “بثينة”.. كيف كانت تمارس ذلك الدور؟
– (ما كان عندنا سيدة أولى)، كانت السيدة “بثينة” وما زالت سيدة فاضلة جداً عاشت مثل أية زوجة سودانية، ولم تظهر في أي نشاط وكانت تعرف حدودها.. كانت مكتفية ببيتها في الجيش وفي كل جمعة تزور أهلها في ود نوباوي.
{ الوضع تغير؟
– صار للسيدة الأولى بروتوكول، ودائماً الحياة تتغير.
{ بمناسبة “بثينة” كيف تصف عاملات وموظفات مايو؟
– لا عاملة ولا موظفة ولا وزيرة تظهر بأية زينة، لا حناء ولا رسم ولا ذهب، بل بالثوب الأبيض وربما مجرد قرط صغير.
{ بطبيعة الحال أنت تشاهد مذيعات اليوم؟
– أغلبهن (بكل أسف) مشغولات بالذهب وحركة اليدين والـ”ميك أب” ويفعلن ما يسرق انتباه المشاهد من الموضوع لموضوع آخر، والنتيجة بحث المشاهد عن تفاصيل تلك المرأة وشكلها وهي محتفلة بذلك الجزء.
{ محتفلة بأيه؟
– بالحناء والثياب، وهذا ينطبق على أية امرأة تظهر على التلفزيون بتلك الأساليب من وزيرة وموظفة ومذيعة وغيرهن.
{ كلام واضح؟
– وبعدين نحن مجتمع مسلم يرفض المبالغة في الزينة أمام كل الناس.
{ كنت تناقش “النميري” وتغالطه؟
– كان ديمقراطياً جداً مع وزرائه.
{ الرباط بين المؤتمر الوطني والاتحاد الاشتراكي؟
– الاتحاد الاشتراكي يتفوق على المؤتمر الوطني كونه كان خليطاً من الأحزاب اليسارية وأهل اليمين والأمة والاتحاديين والتكنوقراط.
{ كيف تنظر لمأساة في حجم ضرب الجزيرة أبا من قبل مايو؟
– كنت قلقاً جداً، وعرضوا حاجات مؤسفة رفضتها في حينها.
{ (دي قصة الملابس الداخلية في غرفة الإمام “الهادي”)؟
– نعم رفضتها، وأكدت أن الإمام “الهادي” كان مستقيماً وتقياً.
{ وضح لاحقاً أن زجاجة الويسكي تخص الطيار الخواجة الخاص به؟
– مثل تلك المكائد كثيرة في التاريخ السياسي، ومرة جابوا حفلة لسودانيين في اليونان وهو شيء عادي، وكانوا تجاراً محترمين يحضرون حفلة عشاء.
{ سمعنا أن أمن مايو كان فظيعاً ومتوحشاً؟
– بالعكس، كنت أعرفهم ودخلت معهم متوسطاً لناس كتار جداً، وحسب معرفتي بهم، أمن مايو لم يكون قاسياً ولم يعذب الناس.
{ كانوا ناس كويسين؟
– أولاد ناس.
{ جاءت الانتفاضة وكنت مدير التلفزيون وجزءاً من الأزمة بعيون الانتفاضة طبعاً؟
– كنت وزير الإعلام وكان إحساساً مريراً.. ولن أنسى، كانت الكهرباء قاطعة وأريد التحدث مع ناس الإذاعة حتى لا يضربوا، ولم أستطع الوصول إليهم وما قدرت أمشي في الشارع إلا بواسطة عربة بوليس مجهزة.
{ شيء مؤسف وأنت مستنير؟
– نعم، شيء مؤسف.
{ كيف كان آخر خطاب لـ”النميري”؟
– كان منفعل شوية.
{ سمعنا أنه أساء للشعب؟
– لم يسئ، لكنه كان قاسياً ويعتقد أن الناس مفروض تصبر.
{ كيف قبلت بعزومة الإنقاذ لتعمل معها؟
– بعد أسبوع واحد دعوني لأكون وزير إعلام، ومن الانتفاضة قررت عدم العودة، وعودتي لم تكن واردة في ذهني وقلت لـ”مهدي إبراهيم” لو لقيتوا زول تاني غيري مناسب، فسمعت اسمي وزيراً للإعلام.
{ لم ترفض الفكرة؟
– بأمانة، لا لم أرفض الفكرة.
{ قبلت العزومة؟
– كانت البلد منهارة، وقبلت وكأنه نداء وطني.
{ خرجت بعد تسعة أشهر ودا هروب؟
– لأنو كانت جهة خارجية تفعل كل شيء ولم أقبل بذلك الوضع.
{ جهة خارجية؟
– “الترابي”، وكانت تلك هي مشاكلي وطول حياتي تربيت مستقلاً، وهناك وقائع كثيرة جعلتني أنسحب من مسرح تلك السنوات.
{ تلك كانت الإنقاذ الأولى؟
– كان كل شيء جاهزاً وكانت عملية التمكين صعبة علينا، ونحن تربينا في هذه الوزارات ونعرفها جيداً.
{ الكيمياء بينك والإنقاذ لم تتفاعل؟
– نعم بالضبط، ولا أنفع أكون تابعاً، ولا أسمح بزول أقل مني يتدخل في شغلي وأجهزتي.
{ عشنا وشفنا الإنقاذ تعتذر عن فكرة التمكين؟
– التمكين فيه ضرر لكل الأطراف.
{ لكنك عدت رئيساً لمجلس الصحافة والمطبوعات معيناً من رئاسة الجمهورية؟
– عدت بحسابات معينة وقال لي الأخ “مهدي إبراهيم” إنهم يدخلون مرحلة جديدة من التحول، وهناك قانون صحافة جديد سيكون جزءاً من النقلة السياسية القادمة.
{ جئت؟
– استمرت الحاجات كويس جداً، وكان في نوع من التغيير.
{ في عهدك ظهرت لنا الرقابة وما أدراك ما الرقابة القبلية والمصادرات من تحت ماكينات المطابع؟
– كانت هناك أشياء تحدث من دون علمي.
{ لكنك مع كل تلك الأمور أكملت دورتك؟
– صبرت حتى انتهت دورتي نهاية عادية.
{ وصبرت على أي أساس؟
– الموضوع يمكن أن يحل حلاً مناسباً.
{ ولكن لم يحصل شيء؟
– لأن الشمولية هي الشمولية.
{ هل يتم إخطار المجلس بمصادرة الصحيفة الفلانية مثلاً (مجرد إخطار)؟
– كنا نسمع من الصحف تاني يوم، ومنذ محاولة غزو أم درمان تغير الوضع وحصلت تدابير أمنية مختلفة لصون البلد، فجاءت الرقابة والمصادرة بتلك الحسابات وكل العالم فيه تلك الظروف.
{ لكنها استمرت؟
– نعم.
{ أحرجوك وأنت قامة تكنوقراط نادرة؟
– آي والله، أحرجوني.
{ يمكن فهموك غلط؟
– زول زيي أنا لا يمكن السيطرة عليه بتلك الوسائل ليؤدي تلك الأدوار.
{ أنت زعلان يا عم “علي”؟
– لم يحترموا لا شخصي ولا تاريخي.
{ كيف استفدت من الإنقاذ؟
– لماذا تسألني يا ابني “دلاي” مثل تلك الأسئلة ومثلي لا يسأل هكذا أسئلة.
{ لأنني أحتفظ بسؤال تعويضي.. أن الإنقاذ استفادت من حضرتك أيما استفادة؟
– عمري ما ترددت في كلمة الحق.
{ أنت الآن رايق ومرتاح؟
– أنا تجاوزت الثمانين (وما بقدر أدير ولو مكتب صغير) ووجدت حرية في ممارسة هوايتي في التعليم، وهي فرصة لأمارس هوايتي كمواطن صالح بسيط.
{ ربما ترجع لمجلس الصحافة لو عاد “مهدي” يكلمك عن مرحلة جديدة وفيها نقلة ديمقراطية؟
– (ما بقدر) وأنا طلعت من مرحلة ولا أستطيع العودة.
{ (زعلت يا عم “علي”)؟
– عمري ما ترددت في قول كلمة الحق.
{ لكن الأخطاء (بتحصل)؟
– الأخطاء بتحصل، ولكنها ليست من الكارثية.
{ أنت مخضرم.. أخبرنا عن (سر الحياة عندك)؟
– التوكل.
{ نفهم أكتر؟
– تأكدت وطوال عمري أن بعد كل ضيق شديد يأتي فرج مؤكد بسبب التوكل.
{ كيف العيال؟
– عندي خمس بنات “هدى، سهير، نبيلة، غادة وسناء” وولد “محمد”
{ ربيتهم على طريقتك السهلة دي؟
– الغريبة لم آمرهم يوماً لا بالصلاة ولا الصوم ولا التعامل مع الناس، وهكذا تطبعوا بي.
{ كنا نؤمن لو طلع منهم من يؤيد الاشتراكية مثلاً؟
– هم أحرار جداً.
{ (أم العيال) أكثر من فهم عم “علي”؟
– طبعاً بسبب العشرة الطويلة دي (على الأقل) تزوجنا في 59.
{ عندك تحفظات على الديمقراطية؟
– (كشكل)، لكن كمبدأ أنا باقٍ عليها.