بعد ومسافة
نعم يا.. “مبارك”.. وصلَتْ مرحلة الخطر..!
مصطفى أبو العزائم
نائب برلماني مستقل وشجاع أثبت للملأ أن ضمير النيابة حاضر ولم يغب، وهو مستقل تماماً لا يمكن نعته أو وصفه بأنه صوت سيِّده، فقد وقف النائب البرلماني الشجاع “مبارك النور” أمام زملائه النواب ومن تحت قبة البرلمان ليصرخ بالصوت العالي محذراً من وباء الإسهالات المائية، ومطالباً الحكومة بإغلاق المدارس في كل مستوياتها إلى حين انجلاء هذا الوباء، مع استنكار هذا النائب المستقل الشجاع لعدم تحرك الجهات المختصة بالسرعة المطلوبة لوضع حدٍ لهذا الوباء.. وقال إن المسألة الآن وصلت مرحلة الخطر.. وقد صدق.
نعم.. صدق النائب الشجاع “مبارك النور” وعلا صوته في وقت غفا فيه بعض زملائه تحت تأثير التكييف الذي ينفث الخدر اللذيذ في أجساد النواب، ويثقل العيون، ويغيِّب الوعي بما هو حادث، ويأخذ العقل إلى عالم خيالي لا يعود عنه إلا بالإعلان عن انتهاء الجلسة.. والدنيا صيام.
وعلى خلفية ما قال به النائب البرلماني الشجاع والحريص على أبناء وبنات هذا الوطن، “مبارك النور” تعالوا نقرأ ما جادت به قريحة الوزراء والكبراء حول ذات القضية وهي (الإسهالات المائية) وقد تمنينا لو أنهم صمتوا، فقد ذكر صديقنا الأستاذ “بحر إدريس أبو قردة” وزير الصحة الاتحادي أن معدلات الإصابة بمرض الإسهالات المائية قد تراجعت وانحسرت في جميع الولايات.
نعم قال ذلك أمس الأول في حفل تدشين القوافل الطبية والدعوية التي ينفذها الاتحاد العام للطلاب السودانيين بالبلاد، في ذات الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الصحة بولاية الخرطوم أن حالات الإصابة بالخرطوم وحدها بلغت حتى يوم أمس الأول (870) حالة توفى منها (15) حالة وأعلن وزير الصحة بولاية الخرطوم صديقنا البروفيسور “مأمون حميدة” أن المدارس في موعدها ولا نيّة ولا اتجاه لتأجيل بداية العام الدراسي.
الآن دعونا نقارن بين هذه الأقوال ونحاول قدر الإمكان أن نضعها على ميزان المسؤولية، فأي حديث يا ترى سيرجِّح بالكفة؟ مؤكد أن حديث النائب البرلماني “مبارك النور” هو الذي سيرجّح ويعبّر بحق عن مدى روح المسؤولية التي يتحلى بها هذا النائب الشجاع.
عبنا على الوزيرين الاتحادي والولائي من قبل عدم تجاوبهما الفوري مع هذه الكارثة، وأشدنا بموقف الدكتور “عبد الحميد موسى كاشا” والي ولاية النيل الأبيض، الشجاع، الذي أعلن بكل صدق وشفافية عن حقيقة الموقف داخل ولايته، بل وكشف عن جملة من الأسباب أدت إلى تفاقم الأوضاع، أولها تسلل الوباء من داخل معسكرات اللاجئين الفارين من ويلات الحرب والجوع والمرض في دولة جنوب السودان، وقد بلغ عددهم الآن مئات الآلاف من اللاجئين، فتكت بهم الأمراض بعد أن وهنت أجسادهم وأصبحوا لقمة سائغة لكل مرض أو وباء. هذا سبب.
أما السبب الثاني فهو عدم استعداد الولاية لمواجهة هذا الوباء في تلك اللحظات لأن الهجمة كانت مفاجئة، وإن حدث تدارك للأمر بعد ذلك، لكن ما تم اتخاذه من تدابير لم يكن كافياً بالقدر الذي يمنع وقوع البلاء.. فقد قال الوالي “كاشا” بشجاعة نادرة إن من أسباب انتشار الإسهالات المائية في ولايته عدم الوعي بالتعامل مع هذا المرض بين المواطنين، ثم افتقار محطات المياه والآبار إلى (الكلورة) أو إلى استخدام مادة الكلور لتنقية المياه وتطهيرها، وهو ما يجعل المياه تنطلق من مصادرها ومنابعها ملوثة تلوثاً كاملاً، والماء أسرع ناقل لهذا المرض الخطير، خاصة إذا ما كان هناك تردٍ ظاهر في البيئة وانتشار الذباب والأوساخ والقاذورات.
بالنسبة لصديقينا الوزيرين “أبو قردة” و”حميدة” ظلا صامتين حينا من الدهر إلى أن نطق القصر وحذّر وأنذر لتنطلق ألسنة المسؤولين بعد ذلك تكرر وتبرر، ولكن بعد أن انتشر الوباء وعاش مواطنو الخرطوم الرعب والخوف، خاصة بعد أن انتقل الوباء إلى ولايتي نهر النيل والشمالية.
الآن الخريف على الأبواب والماء مثلما ذكرنا هو أسرع ناقل للمرض الخطير، والخرطوم الكبرى بمحلياتها السبع لم تعد نظيفة.. النفايات في الطرقات وداخل الأحياء والذباب يطن ويزن ليل نهار، وحركة التوعية ضعيفة خاصة لمواطني الأطراف الذين ما زالوا خارج شبكة المياه القومية النظيفة وخارج تغطية شبكة الإمداد الكهربائي، والذين لا يستطيعون شراء صحيفة بمبلغ أربعة جنيهات تساوي قيمتها قيمة ثماني قطع خبز تسد الجوع لعدد من أفراد الأسرة، فهؤلاء الذين يعيشون على أطراف المدن يحتاجون إلى التوعية عن طريق الإعلام الجماهيري من خلال مكبرات الصوت والندوات ومن خلال الإعلام الشعبي القائم على الدعاة والمعلمين واللجان الشعبية.
الكارثة ستكبر وتتمدد وتتفاقم لذلك نقول للذين أفتوا بعدم تأجيل العام الدراسي في الخرطوم أن يلزموا الصمت، وأن تتجه الولاية إلى إنشاء غرفة طوارئ تضم ممثلين لكل الجهات ذات الصلة بمحاربة الوباء في وزارتي الصحة الاتحادية والولائية ومن رئاسة الولاية ووزارة البيئة ووزارة الإعلام وغيرها.. لجنة مهمتها دق ناقوس الخطر.. قبل أن تدق أجراس المدارس إنذاراً ببدء العام الدراسي الجديد.