عجز القادرين
تحت عنوان “عجز القادرين” كتبت مئات الآلاف من المقالات في عصرنا الحالي وعصور سبقت، وفي كل يوم تتجدد عبقرية الشاعر الجاهلي الذي لم ير في كل الدنيا عجزاً يستحق التقريع غير عجز القادرين عن فعل الشيء ولكنهم عاجزون لضعف الهمة أو الخوف والتردد عن الأقدام على الفعل.. وغير بعيد عن ذلك الوصف البليغ حال حكومتنا الراهنة التي عجزت عن تعيين وزير عدل في بلد بها أكثر من مائة كلية قانون وشريعة.. وقاربت عضوية نقابة المحامين الـ(30) ألف محامٍ وآلاف القضاة، وبعد إثارة الإعلام لقضية شهادات الوزير المعين صمت الجميع، حتى الوزير المعين انزوى بعيداً في انتظار شيء ما.
وفي هذا اليوم تلوح في الأفق بوادر بلوغ أزمة الرياضة في بلادنا نقطة اللا عودة.. والحكومة تنتظر وصول خطاب من الاتحاد الدولي لكرة القدم بتعليق عضوية السودان أو تجميدها.. وما بين التجميد والتعليق جرت أمس مداولات وطرحت آراء واحتدم الخلاف بين من يسمون بالخبراء في الرياضة الدولية هل ستُجمد عضوية السودان أم تعلق؟؟ والحكومة تقف عاجزة تراقب ما يحدث في الشأن الرياضي، وحتى وزير الرياضة د. “عبد الكريم موسى” عبر عن عجزه وقلة حيلته بقوله إن الصراع في اتحاد كرة القدم صراع قانوني والوزارة لا صلة لها به.
و”عبد الكريم موسى” شاب نشط وسياسي قدير لكن قذفوا به في أتون وزارة لا يعرف عنها شيئاً، وزج به في عالم لم يقترب منه في حياته العملية، لأن السودان ظل على حاله الذي جسدته مقولة شاعر مؤتمر الخريجين في أربعينيات القرن الماضي وهو يصف حال البلد حينذاك (كل امرئ في السودان يحتل غير مكانه.. المال عند بخيله والسيف عند جبانه)، ولو كانت الحكومة تشعر بمسؤوليتها نحو القطاع الرياضي العريض والنشاط الإنساني الذي يجمع أطياف السياسة وفرقاء المذاهب في المستطيل الأخضر لحزمت أمرها، وجمعت قواها واتخذت القرار الصائب قبل أن تتنزل عليها قرارات الـ(فيفا) الذي يضاهي في قسوته واختلال معاييره مجلس الأمن الدولي، وقد وصف الناقد الكويتي “عدنان السعد” الاتحاد الدولي لكرة القدم بمجلس أمن الرياضة الدولي.. وما دخل السودان نفق العقوبات تجميداً أو تعليقاً إلا بخطابات مباشرة خرجت من الخرطوم تحت بصر الحكومة ومن أولادها ولم تستطع الحكومة أن تقول لهم (عيب ما تعملوا كده في حق البلد).. خطابات دعوة الاتحاد الدولي للتدخل والتحرش الرياضي والسياسي بالحكومة صدرت من منسوب للمؤتمر الوطني يدعى “معتصم جعفر” رئيس الاتحاد الرياضي، وبموافقة وتوقيع منسوب آخر للحكومة هو “مجدي شمس الدين” القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي أكبر شريك في السلطة بعد المؤتمر الوطني ومعه النائب البرلماني “أسامة عطا المنان”.. هل هؤلاء الرجال الثلاثة متمردون في كاودة؟؟ أم ناشطون في الخرطوم؟؟ وهل مسألة استدعاء السلطة التنفيذية والسياسية للمحرضين الثلاثة ضد البلاد وإصدار توجيهات صارمة لهم بإلغاء كل المخاطبات التي بعثوا بها كذباً وتحريضاً مسألة صعبة؟؟
السيد “معتصم جعفر” هو من أدعى تعيين الحكومة لجنرال في الجيش رئيساً لاتحاد كرة القدم.. هل هذه حقيقة؟؟ ولماذا تتم محاكمة الصحافيين تحت مادة الكذب الضار ولا يحاكم بقية أفراد الشعب بمن فيهم الشخصيات الاعتبارية؟؟ ثم ينغمس اتحاد كرة القدم في لجة الصراع السياسي وهو يحرض الـ(فيفا) بإيحاء خطير ويقول إن الحكومة بعثت بمطلوب في المحكمة الجنائية الدولية “الإشارة لأحمد هارون” للاتحاد السوداني لتعديل النظام الأساسي؟؟ والحكومة تقف عاجزة تترقب مصير الرياضة تجميداً أو تعليقاً، ومئات الدستوريين والبرلمانيين يدعون حرصاً على وطن نعاه الراحل د. “محمد الواثق” قبل أن يرحل عن الفانية وهو في دولة ليبيا موظفاً في جامعة صغيرة، وهو الذي كان بجامعة الخرطوم فخراً وعزة وشاعراً أبكى أم درمان وأفزعها.. “الواثق” قال: (ما كنا في السودان نعاني ضيق معيشة لو ساد في السودان أهل البصائر).. فأين أهل البصائر وحبل التجميد والتعليق يلف علناً حول عنق البلد؟!