شهادتي لله

(4) رمضان.. المفاصلة التي هزت عرش الإسلاميين (7)

{ كان واضحاً أن الشيخ “الترابي” ابتداء من العام 1998م أخذ في تقريب الدكتور “علي الحاج محمد” ومجموعة صغيرة أخرى، على حساب نائبه في التنظيم والنائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، فقد شعر “الترابي” بحالة تماهٍ كاملة بين نائبه “علي” والأمانة العسكرية والأمنية (التنظيم الخاص) التابعة له من جهة والرئيس الفريق “عمر البشير” ومن تبقى إلى جواره من العسكريين من جهة أخرى.
{ تباعدت الشقة بين أعضاء المكتب القيادي الأول لثورة (الإنقاذ) وكان يضم (5) أشخاص فقط هم: (الفريق البشير، حسن الترابي، علي عثمان، العميد الزبير محمد صالح وعلي الحاج)، وتبقى منه في عام المفاصلة (4)، انفرد “البشير” و”علي عثمان” بالقصر والجهاز التنفيذي، وتحكم “الترابي” و”علي الحاج” بالحزب والبرلمان! (زاد عدد هيئة القيادة لاحقاً إلى 7 ثم إلى 15 ثم إلى 30 شخصاً، وتكونت من بعد ذلك هيئة شورى للحركة بلغت عضويتها 600 فرد).
{ كان أول ظهور علني للأستاذ “علي عثمان” ناهض فيه الشيخ، مباشرة بعد مؤتمر (العشرة آلاف) الذي سقط فيه غالب الموقعين على مذكرة العشرة، حيث عقد النائب الأول للرئيس مؤتمراً صحفياً قال فيه: (لن نسمح بانتقال التصفيات من الحزب إلى الجهاز التنفيذي).. ذلك كان إعلان المفاصلة الحقيقي.
{ شرع (رجال حول الرئيس) في الترتيب للإطاحة بالشيخ “الترابي” ووقف حركته الجادة والمتعجلة لإجازة التعديلات الدستورية، في ما اعتُبر في تلك الفترة وفي ظل طقس الصراع محاولة لتقزيم مؤسسة الرئاسة وتحجيمها.
{ لم يكن “علي عثمان” متعجلاً، بينما كان الدكتور “غازي صلاح الدين” الأكثر حماساً وتصدياً لضرورة الحسم، وفي هذه المرحلة انسحب من مشهد المواجهة مهندسو مذكرة العشرة (سيد الخطيب وبهاء الدين حنفي وعلي كرتي)، وتبقى منهم في واجهة الصدام (إبراهيم أحمد عمر، نافع علي نافع وغازي صلاح الدين).
{ حدثني مدير سابق لمكتب الرئيس صار وزيراً في فترة لاحقة، أنهم كانوا في تلك الأيام الساخنة يلحون على شيخ “علي” في ضرورة الإسراع في اتخاذ القرارات الحاسمة، فكان يؤجل الموعد، ويقول لهم: (أصبروا شوية)!
{ قبيل إجازة التعديلات الدستورية في مرحلة العرض الأخير، وفي ليل الرابع من رمضان الموافق للثاني عشر من ديسمبر عام 1999م، قطع التلفزيون القومي إرساله وأعلن المذيع “طارق أبو شورة” أن رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” سيقدم بياناً مهماً للشعب السوداني بعد قليل.. فترقبوه.. وكذا فعلت الإذاعة.
{ كان الدكتور “غازي صلاح الدين” وزيراً للإعلام، فاتصل بعد الإفطار بنائب مدير التلفزيون مدير البرامج وقتها الأستاذ “حسن فضل المولى” وطلب منه إحضار كاميرا، والحضور لبيت الضيافة بالقيادة العامة للقوات المسلحة لتسجيل بيان مهم للرئيس.
{ نفذ “حسن” التعليمات وكان هناك مع الكاميرات في الوقت المحدد، ولم يكن مدير التلفزيون “الطيب مصطفى” على علم حتى تلك اللحظة. 
{ سأل “حسن فضل المولى” وهو لا يعلم ماذا سيقول الرئيس في بيانه، سأل وزير الإعلام عما يحدث، فأجابه بأن الرئيس سيعلن حالة الطوارئ وسيحل البرلمان.
{ اتصل نائب مدير التلفزيون بمديره المباشر “الطيب مصطفى” وطلب منه الحضور إلى بيت الرئيس، ويبدو أن “البشير” و”غازي” كانا يعلمان بعاطفية “الطيب” وانفعالاته، فآثرا أن يتعاملا مباشرة مع نائبه (الجنرال) كسباً للوقت وإنجازاً للمهمة، وقد صدق حدسهما.{ جاء “الطيب مصطفى” إلى بيت الرئيس، وطلب من “حسن فضل المولى” العودة فوراً بالكاميرات إلى التلفزيون، لكنه رفض باعتبار أنها تعليمات من الرئيس ووزير الإعلام، فدخل “الطيب” على الرئيس في جناحه الخاص قبل أن يأتي لمكان تسجيل البيان، وحاول إثناءه عن قراره وهو يردد: (استحلفك بالله ألا تفعل.. استحلفك بالله).. وكونه خال الرئيس ابن خالة والدته الحاجة “هدية” متعها الله بالصحة والعافية، وجد “الطيب” مساحة وسعة في أن يجادل رئيس الجمهورية بجرأة وقوة، وقد كان ظاهراً لمن كانوا حاضرين للمشهد أن مدير التلفزيون استمر في إلحاحه إلى قبيل التسجيل، لكن الرئيس لم يأبه لتلك المناشدات العاطفية ومضى في أمره.
{ أعلن الرئيس في قراراته: إعلان حالة الطوارئ بالبلاد لمدة ثلاثة أشهر، حل البرلمان وتعليق العمل ببعض مواد الدستور.
{ لم ييأس “الطيب مصطفى” وقال لـ”حسن فضل المولى”: (أنا ذاهب لشيخ “حسن” في البيت، تأخر في بث البيان).. غير أن الرئيس لاحظ محاولات “الطيب”، فنادى “حسن” وأمره ألا يأبه لكلام “الطيب” وأن يسرع إلى التلفزيون، وأرسل خلفه الياور “تاج السر” بسيارته، للاطمئنان على تنفيذ التعليمات. 
{ أراد الشيخ “الترابي” أن يختبر قوة نفاذ القرارات وهو بين مصدق ومكذب، فقصد في صباح (الخامس) من رمضان مكتبه في المجلس الوطني، فوجد بوابة المجلس محروسة بدبابة، وأمامها ضابط وجنود، وتم منعه بأدب من دخول البرلمان، تطبيقاً لقرارات رئيس الجمهورية.  
} نواصل غداً

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية