لعنة "ترامب"
إذا كانت حرب الخليج الأولى بسبب لعنة النفط في شط العرب حينما وقفت الدول العربية ومن خلفها واشنطون دعماً لـ”صدام حسين” لهزيمة إيران وانتهت حرب الخليج بصعود نجومية “صدام” وبقاء إيران شوكة في عنق العرب.. ورمزاً للصمود في وجه الحصار.. وتمدد النظام الإيراني فكرياً في أوصال بلدان الخليج الهشة.. وجاءت لعنة الحرب الثانية في الخليج حينما أقبل “صدام حسين” على مغامرة انتحارية باحتلال الكويت واعتبارها ولاية أو محافظة عراقية، ومنذ تلك الحرب بدأت نهاية “صدام حسين” حتى قبض عليه مختبئاً في قرية عراقية، ويوم سقوط بغداد سقطت معها الكرامة العربية واندثرت أمة الأمجاد التي تتغنى بماضيها وتخجل وتستحي من حاضرها.. وترهن مستقبلها لواشنطون التي تملك القوة وتجافي الحق.
في العاشر من رمضان هذا العام فتحت العيون العربية أجفانها على وقع علامات حرب صغرى في منطقة الخليج العربي الذي لم يكتب له الاستقرار منذ أمدٍ بعيد وعلامات الحرب الصغرى هي إعلان السعودية والإمارات قطع علاقتها الدبلوماسية مع قطر.. ثم تنضم إليهما البحرين وتخرج ليبيا من رماد الحرب والهزائم ويعلن السراج رئيس المجلس الانتقالي الوقوف في خندق السعودية والإمارات مع أن ليبيا لا خيل عندها تهديها ولا مال.
وتوالت علامات الحرب الصغرى بطرد البعثات الدبلوماسية القطرية ومنع المواطنين القطريين من دخول السعودية والإمارات أو حتى العبور وإمهال الموجودين (14) يوماً لمغادرة الأراضي السعودية والإماراتية وإغلاق جميع المنافذ البحرية والبرية مع قطر.. ولم يتبق من علامات الحرب الكبرى وهي وضع الجيوش في حالة استعداد على الحدود.. بعد أخذ الإذن من السيد الأمريكي (القابض) (460) مليار دولار من المال العربي.. لدعم مستوى معيشة الإنسان الأمريكي في أوهايو وواشنطون.. ووضعت القرارات السعودية والإماراتية ومن خلفهم مصر منطقة الخليج في حافة الحرب من جديد.. وقد صفعت إيران الجميع بإعلانها البارد والشامت على لسان مساعد رئيس مكتب الرئيس الإيراني “حميد أبو طالب” للشؤون السياسية الذي وصف البلدان التي أعلنت المقاطعة أي السعودية ومصر والإمارات والبحرين بأنها بلدان هشة سياسياً إلى حد إن إمارة صغيرة مثل قطر يمكن أن تكون خطراً إستراتيجياً بالنسبة لها.. وهي إشارة لقوة إيران وسعادتها بالخلافات العربية العربية، الشيء الذي يعزز نفوذها في المستقبل بالسيطرة على الخليج العربي الذي تطلق عليه الخليج الفارسي.
ويتعرض العالم العربي لانقسام حاد إزاء الأزمة الحالية وتتسابق الدول الفقيرة محمولة بحاجتها للمال والخبز والدولار لاتخاذ المواقف التي تمليها عليها مصالحها وليست قناعات شعوبها.. وفقراء العالم العربي في نهاية الأزمة من يدفعون ثمن بطونهم التي تقودهم للوقوف مع هذا في مواجهة ذاك.. وصاحب الغنم حر في بيع الشاة الحبلى قبل الخروف الكبير.. ولا منطقة وسطى بين قطر والسعودية وكلاهما أصحاب ثروات ضخمة ونفوذ كبير والرئيس الأمريكي “ترامب” الذي زار السعودية أخيراً وضحك على قادة الدول الإسلامية التي نصبته رئيساً لمحاربة الإرهاب ينتظر (حصالة) أزمة الخليج.. من يدفع أكثر هو الأقرب إلى جيبه.
في وسط هذا المناخ يجد الشعب السوداني في الوسطية وإصلاح ذات البين والدعوة بالحق للأشقاء في قطر والأشقاء في الرياض بالهدوء ونبذ شح النفس والانتقام هو السبيل لإخراج الخليج العربي من أزمة جديدة تطيح به خارج دائرة التأثير وتسقط ما تبقى من الكبرياء العربي لن ينسى أهل السودان لقطر دعمها.. السخي ومواقفها الأخلاقية.. واعتدالها ونخوتها وشهامتها.. ومبادراتها والإحساس العام للشعب السوداني الخوف على قطر من تحالف قد تدفع ثمنه.. الدوحة.. وليس بالضرورة أن ينتصر الحق على القوة فالأخيرة تنتصر ولكن مؤقتاً.