شهادتي لله

(4) رمضان .. المفاصلة التي هزت عرش الإسلاميين (6)

بدا واضحاً والشيخ “الترابي” يمضي قدماً في مشروع تعديلاته الدستورية من داخل البرلمان في ديسمبر من العام 1999 م، غير آبه بمناشدات رئاسة الجمهورية بتأجيل النظر فيها. إن الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية كان مطمئناً تمام الاطمئنان إلى سيطرته المطلقة على كافة مفاصل الدولة، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، خاصة بعد أن أسقط مخالفيه أصحاب المذكرة.. بالانتخابات واحداً تلو الآخر في المؤتمر العام الثاني للحزب.
لم يكن “الترابي” يتوقع على الإطلاق (الانقلاب) عليه، بل على العكس كان يتوقع أن يؤدي غضب الرئيس “البشير” إلى استقالته من منصب رئيس الجمهورية، أو القبول برئاسة محدودة السلطات بموجب الدستور وبموجب قوة البرلمان و قبضة الأمانة العامة للحزب. وقد تواترت بالفعل أنباء في تلك الفترة عن اعتكاف الرئيس في منزل أحد القيادات الإسلامية بشرق النيل لعدة أيام.
إلى ذلك الوقت، كان الرئيس مهذباً في خلافه مع الشيخ           “الترابي”، وربما كان أقرب إلى التنحي، حسب إفادات قريبين من (القصر) آنذاك، لولا أن هب إليه عدد من قيادات الحزب و الحركة الإسلامية، ودعموه معنوياً وسياسياً، وألحوا عليه بأن   (هذه الدولة ليست ملكاً لـ”الترابي”.. وأنه مشروع الحركة الإسلامية وليس مشروع فرد) .
في رأيي أن نائب الرئيس الأستاذ “علي عثمان” هو الذي رجح كفة “البشير” ومثَّل إسناداً كبيراً لتيار (القصر)، و لولا ” علي عثمان” و”إبراهيم أحمد عمر” لكانت قرارات الرابع من رمضان مجرد (انقلاب عسكري) بحت، وكان قادته العسكريون سيواجهون عقبات وأزمات كبيرة في الاستمرار في الحكم حال سحب (الإسلاميون) غطاءهم السياسي وآلياتهم الشعبية والنقابية والأمنية وتحوَّلوا كتلة واحدة إلى المعارضة .
معرفة “الترابي” وأنصاره في حزب (المؤتمر الشعبي) من بعد ذلك بالدور المفصلي الذي لعبه شيخ “علي” في قرارات الرابع من رمضان، هو الذي جعلهم يكنون له عداءً صارخاً، ويشنون عليه هجوماً مستمراً في المجالس العامة والخاصة، أكثر من هجومهم على “البشير” نفسه !!.أنصار “الترابي” كانوا يعتقدون أن “علي عثمان” (خان) الشيخ وتآمر عليه، بل إن قيادياً مفكراً مثل الأستاذ “المحبوب عبد السلام” يعتقد أن المؤامرة بدأت منذ أيام (الإنقاذ) الأولى، عندما أحيل “الترابي” إلى سجن “كوبر” حبيساً مع السيد        “محمد عثمان الميرغني”، والسيد “الصادق المهدي”،          والأستاذ “محمد إبراهيم نقد” وآخرين من قادة الأحزاب، وكان الاتفاق ألا تتجاوز مدة الاعتقال أسابيع، فتطاولت إلى نحو (6) أشهر، وكان شيخ الحركة الثاني “علي عثمان” هو الذي يدير الجانب السياسي للثورة من مكتب صغير في رئاسة بنك إسلامي بالسوق العربي بالخرطوم .
لم يكن “علي عثمان” وحده، فقد وقف معه في صف “البشير” قيادات تاريخية مهمة في الحركة الإسلامية، وفيهم من سبق    “الترابي” إلى الحركة مثل الأستاذ المرحوم “محمد يوسف محمد ” المحامي الذي كان يلقبه البعض بـ(أبونا) لرمزيته الأبوية للكوادر الإسلامية، كما وقف إلى جانب (القصر) الشيخ ” أحمد عبد الرحمن محمد “، والشيخ “محمد محمد صادق الكاروري”، والشيخ ” عبد الجليل الكاروري”، والأستاذ        “مهدي إبراهيم” والشيخ المرحوم “علي عبدالله يعقوب”        والبروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” الذي أصبح أول أمين عام للمؤتمر الوطني الحاكم بعد المفاصلة. ولا شك أن دور البروف “إبراهيم” يمتد من مذكرة العشرة، حيث كان أحد الموقعين عليها، وإلى قرارات الرابع رمضان وما بعدها، فقد تولى قيادة الحزب، وإلى يومنا هذا رئيساً للبرلمان .
“علي” و”إبراهيم” مثَّلا ثقل تيار (القصر) في مقابل شيوخ تزعموا معسكر “المنشية” مثل “يس عمر الإمام”، و”عبدالله حسن أحمد”، و”موسى حسين ضرار”، و”علي الحاج”      و”إبراهيم السنوسي ” .

نواصل غداً .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية