شهادتي لله

(4) رمضان.. المفاصلة التي هزت عرش الإسلاميين (3)

{ قلنا بالأمس إن عدداً من تلاميذ الشيخ “الترابي” والمقربين منه كانوا متذمرين من طريقته في إدارة الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في العام 1998م، حيث قرب الشيخ مجموعة صغيرة أخرى على رأسها الدكتور “علي الحاج محمد”، وقد كان من القيادات التاريخية للحركة وعضو القيادة التنفيذية العليا للجبهة الإسلامية القومية قبيل انقلاب 30 يونيو 1989م.
{ دعت المجموعة التي طالبت بتصحيح أوضاع الحزب وعددهم لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، دعت الشيخ “ياسين عمر الإمام” رحمه الله، وكان رجلاً شجاعاً ومقداماً ومن أقرب المقربين لـ”الترابي”، دعوه إلى ترتيب لقاء يجمعهم بالشيخ في داره وقد كان، إذ التقى الأمين العام للحزب بكل من الأساتذة “علي كرتي” و”سيد الخطيب” و”أمين حسن عمر” في دار شيخ “ياسين” الكائن بمدينة الثورة الحارة (الأولى)، وهي الحارة التي ضمت أيضاً إلى سكانها الشيخ الأكبر لجماعة أنصار السنّة المحمدية المرحوم “أبو زيد محمد حمزة”، كما ضمت زعيم الجمهوريين الراحل “محمود محمد طه”!
{ لم يفلح تلاميذ الشيخ في إقناعه بأفكارهم التصحيحية، أو ما كانوا يظنونها تصحيحية، والتقوا به مرة ثانية في منزل “علي كرتي”، وظل الحال على هذا المنوال، بل إنهم ازدادوا حنقاً.. وغضباً لأن الشيخ استفزهم وطالبهم بالخروج من (صوالين البيوت) إلى ساحات مواجهة العضوية في مؤسسات الحزب، وقد صدمهم “الترابي” بعبارة قاسية رواها “أمين حسن عمر” ذات مرة: (ما تدسدسوا في البيوت.. أطلعوا برة للناس)!!
{ هذه العبارة اشتعلت في دواخلهم، فتولى كبر مذكرة العشرة كل من “سيد الخطيب” و”علي كرتي” ثم “بهاء الدين حنفي” حيث تحول مركز الدراسات الإستراتيجية الحكومي الذي كان يديره دكتور “حنفي” إلى مركز لإدارة حركة المطالبة بالإصلاح في مؤسسات المؤتمر الوطني.. الحركة التي قسمت الإسلاميين إلى قسمين وأعادت زعيمهم ومعلمهم الأول إلى السجن حبيساً لسنوات أخرى.
{ على الضفة الأخرى، كان الشيخ “الترابي” يرى أن الإصلاح يبدأ من انسحاب (العسكريين) من منصة القيادة والتأثير السياسي، مع الانفتاح على سياسيين من مدارس فكرية مختلفة وتكنوقراط من خارج أطر تنظيم الحركة الإسلامية، فاستقطب رجالاً ونساءً من قبائل اليسار وأحزاب الوسط التقليدية لمواقع مختلفة في الحزب والدولة مثل “عبد الله محمد أحمد”، “عبد العزيز شدو”، “علي شمو”، “سيد علي زكي”، “عبد الباسط سبدرات”، “بدرية سليمان”، “بدر الدين سليمان”، “عباس النور” وغيرهم من الذين عينوا وزراء ومستشارين بالقصر الجمهوري وأمناء في الحزب على مراحل مختلفة. ولابد أن نشير هنا إلى أن الأستاذ “علي عثمان محمد طه” هو الذي كان أكثر حرصاً على استقطاب الكوادر (المايوية) في مؤسسات (الإنقاذ)، وفاء لبدايات ظهوره السياسي بعد المصالحة الوطنية بين نظام “جعفر نميري” وبعض فصائل الجبهة الوطنية المعارضة في العام 1977م، وقد تجلت بداياته من خلال عمله النيابي كـ(رائد) في مجلس الشعب القومي، إذ تشكلت شخصيته السياسية بصورة واضحة ومختلفة عن فترة الطلب وحقبة رئاسته لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1970م. في عهد (مايو) احتك “علي عثمان” بساسة محنكين ومفكرين كبار، خارج دائرة الحركة الإسلامية، واكتسب الكثير من الخبرات والتجارب، ما أهله ليصبح لاحقاً نائب الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية متخطياً عدداً من شيوخ الحركة، وزعيماً للمعارضة في فترة (الديمقراطية الثالثة) مسنوداً بإرث التجربة البرلمانية في مجلس الشعب.
{ لم تكن للأستاذ “علي عثمان” علاقة بمذكرة العشرة التي قدمها عشرة من أعضاء مجلس شورى المؤتمر الوطني في اجتماعه في العاشر من أكتوبر عام 1989م، بل إن شيخ “علي” تعمّد عندما تسامع بالمذكرة، أن يغيب عن الاجتماع ساعة طرح المذكرة متشاغلاً بالحديث في ندوة بمركز الشهيد الزبير للمؤتمرات، وكان من المعقبين عليها “أمين حسن عمر” وهو من صناع المذكرة، لكنه لم يوقع عليها.. لا هو ولا صديقه “المحبوب عبد السلام” الذي شارك في مناقشات فكرتها الأولى بمكاتب هيئة الأعمال الفكرية بالخرطوم.
{ ولو تلاحظون.. فإن الذين هندسوا وصاغوا وأدرجوا المذكرة في جدول أعمال مجلس الشورى كانوا من الدائرة الصغرى المحيطة بالشيخ “الترابي” وهم “سيد الخطيب”، “بهاء الدين حنفي”، “علي كرتي”، “أمين” و”المحبوب”!!
{ فهل كانت مجرد (غيرة) تحركت وتفاعلت في دواخلهم جراء تقريب الشيخ لمجموعة صغيرة أخرى وإبعادهم عن دائرة الفعل والقرار، أم أن الأمر كان أكبر من ذلك؟ وما علاقة الأستاذ “علي عثمان” بمذكرة العشرة.. وقرارات الرابع من رمضان؟!

} نواصل غداً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية