تقارير

كاريزما "نميري".. ملاحم سياسية وغنائية تمشي بين الناس

في ذكرى رحيله الـ(8)
استأذن جارته في تعلية حائط منزله وهو رئيس ورمى الصاج مع (المساعدية) في رحلة للشمالية
تقرير ـ هبة محمود 
ضرغام الرجال الفارس الجحجاح
تمساح الدميرة الما بكتلو سلاح
السم النقوع الفي البدن نتاح
بكاريزما من نوع خاص ألهمت الكثير من الشعراء والمغنيين الذين كتبوا وتغنوا له تمجيداً لبطولاته وتخليداً لذكراه، ظل الرئيس “جعفر نميري” طيلة سنوات حكمه الـ(16) عاماً، مثيراً لجدل الناس واهتمامهم حيَّاً وبعد الوفاة، حول صفاته ومواقفه وبطولاته التي لم تقف رئاسة الجمهورية حاجزاً بينها، وكأني به يقول: (جئت من أجل الناس ولهم)، فلم ينسه المنصب التخلي عن واجباته الاجتماعية كما لم تتغيَّر دواخله وعلاقاته مع جميع من عاصروه وزاملوه.
(المجهر) في ذكرى رحيله توثق لبعض المواقف وتستمع لقليل من الشهود. 
عندما طلب قطع الكهرباء عن منزله
ظل الرئيس “جعفر نميري” طيلة سنوات حكمه يرفض التخصيص والتمييز عن الآخرين رغم توليه سدة البلاد، فقد كان محبباً إلى نفسه أن يعامل دون وضع أي اعتبار لكونه رئيساً أو ما شابه ذلك ، وفي ذلك تكثر المواقف التي أشهرها على الإطلاق وهو عندما كان في طريق عودته لمنزله بود نوباوي ووجد انقطاع التيار الكهربائي في جميع منازل الحي إلا منزله، فلم يكن منه إلا اسشتاط غضباً واتصل مباشرة بوزير الطاقة متسائلاً عن استثناء منزله من القطوعات؟ وحذَّره أن لم يقطع الكهرباء عن منزله أسوة بأهل الحي خلال خمس دقائق فسيحدث ما لا تحمد عقباه.
وفي موقف آخر مشابه فقد كان “نميري” مدعواً لزواج ابنة “محمد الطاهر أبو كلابيش” وتم إعداد مكان مخصص له، إلا أنه فضل الجلوس مع العامة وتناول الطعام في معيتهم بدلاً عن الطعام المخصص له … الخ من المواقف التي جسَّدت إنسانيته وعظمته.
استأذن جارته في طلب تعلية الحائط وهو رئيس
وفي موقف لا يشبه أحداً إلاه، فقد طفقت الحاجة “آمنة طه محمد أحمد” جارته السابقة تحكي لـ(المجهر) كيف أن الرئيس “نميري” استأذنها في (تعلية) الجدار الذي يفصل بين منزليهما، على الرغم من أن منصبه كرئيس يعطيه الحق في فعل ما يريد، فقالت: جاء “نميري” بنفسه وطلب الإذن في تعلية الجدار رغم منصبه الذي يعتليه، وللأمانة نحن لم نستغرب طلبه، لأننا نشأنا معه منذ طفولتنا ونعرف أن هذه أخلاقه التي تربى عليها ولن تغيِّرها المناصب، وزادت: “نميري” كان زول طيب هو وإخوانه عاصرتهم منذ ولادتي، وفتحنا عليهم، حتى عندما أصبح رئيساً لم يتغيَّر كان ظريف وعديل ولو زول حصلت ليه حاجة كان بجينا هو وزوجته “بثينة” متعها الله بالصحة.
 ولـ”مي نميري” قصة عشق من نوع مختلف وولاء تحسد عليه للرئيس “جعفر نميري” جعلها تكني نفسها به، كيف لا وهي التي تفتح مداركها وأسماعها عليه، فقد كانت إحدى طلائع مايو اللواتي تغنين له وهي لم تزل طفلة بعد.
 أكدت  “مي” في حديثها لـ (المجهر) أن الرئيس كان يتمتع بما أسمته (سلوك الملوك) لافتة إلى اكتسابه  العديد من المهارات دون الخضوع لدورات في البروتوكول، وقالت: بابا “نميري” كان ذكي ويهتم بدراسة تجارب الدول الأخرى، كما أنه كان كثير الإطلاع، وقد تنبأ له السيد “عبد الرحمن” حين قال عنه وهو بعد صبي في خلاوى الشيخ “سوار الدهب” حين رآه يلعب مع أقرانه قائلاً: (الزول دا ما ح يكون ساهل)، وزادت: كان الرئيس “نميري” يخطط منذ البداية لأن يكون رئيس دولة، وقد حقق ما كان يصبو إليه.
“نميري” والطوف الليلي
ويحكي الشاعر الرقيق “التيجاني حاج موسى” لـ (المجهر) موقفه مع الرئيس “نميري” قائلاً: أذكر في إحدى الليالي عندما كنت عائداً من مناسبة برفقة زوجتي على متن (موتر فيسبا) تصادفنا مع “نميري” حيث إنه كان في طواف ليلي فاستوقفنا وقام بإيصالنا إلى البيت بعد أن قام برفع (الفيسبا) على متن العربة، الأمر الذي أثار دهشة زوجتي في تصرف لا يحدث من الرؤساء. وقال: “جعفر نميري” توفرت له الصفات الخلقية التي اتسم بها عدد من الزعماء، فقد أعطاه الله بسطة في الجسم جعلته مهاباً وشجاعاً سيما أنه عرف باتخاذه قرارات انفرد بها، وأضاف: بجانب ذلك فإن “نميري” يكتسب صفة الإنسان السوداني البسيط الأمر الذي جعل صورته على أبواب الكثير من المحال التجارية والمنازل وهو بزيه العسكري، كما أنه استطاع أن يستقطب في فترة وجيزة أعداداً كبيرة من الجماهير عملت معه تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي، وزاد: شخصيته لم تكن أي شخصية والسلام، حتى أساتذة الفكر السياسي عندما يتحدثون عنه يضعونه في مصاف القادة التاريخيين وأن اختلفوا معه في منهجه. 
شخصية لن تتكرر
إلى ذلك يصفه بروفيسور “مالك حسين”  بالشخصية غير المتكررة، مؤكداً لـ (المجهر) على أنه كان رجلاً نزيهاً ومنصفاً خالياً من الأطماع ويعمل من أجل السودان عبر إشراك كل فئات الشعب، فاستطاع أن يحدث تنمية، لم تحدث من قبل، وقال: “نميري” يحسب له أنه أخرج البترول، فقد كان يتمتع بذكاء ومعرفة، واستطاع أن يبني شخصيته من خلال عمله.
“البوني” لا يتفق مع حجم كاريزما الرجل
وبالمقابل يرى الدكتور “عبد اللطيف البوني” أن الرئيس “جعفر نميري” رجل قيادي أتى بنية تخليص البلاد، إلا أنه تحوَّل لحاكم فرد كثير الأخطاء – بحد تعبيره، مؤكداً لـ (المجهر) على أنه لم يكن بالعبقرية التي يتحدث عنها الكثيرون، فقد كان ذو قدرات محدودة، وقال: “نميري” كان قائداً استطاع أن يأسر قلوب الناس بتصرفاته ومواقفه ليس إلا، وبقاؤه في الحكم يرجع للتحالفات التي مكنته من الاستمرار لسنوات طويلة، وزاد: أنا اختلف مع الذين يعقدون وجه الشبه بينه وبين الرئيس العربي “جمال عبد الناصر”، لأن “جعفر نميري” لم يكن في قامة “عبد الناصر”، ولكن الظروف ساعدته كثيراً وكذا الحظ.

لا تقتصر مواقف “نميري” على أحاديث من استطلعناهم، فقد خطت أقلام كثيرة من الذين عملوا معه والذين لم يعملوا، تمجد وتحكي عن تلك الشخصية، فقد وصفه البروفيسور “علي شمو” الوزير المايوي قائلاً: “نميري” كان رجلاً على درجة عالية جداً في الانضباط ويتميز بصفات القائد، وهو منظم جداً ويستوعب القضايا المتعلقة بالدولة والحكومة.. وله قدرة كبيرة على اتخاذ القرار، بينما يؤكد المحامي والسياسي والشاعر “عبد الباسط سبدرات على أن “نميري” رجل يملك القرار ويملك القدرة على اتخاذ أصعب القرارات مستفيداً مما تتيحه التربية العسكرية من انضباط وحسم ومناورة.
أما “بابكر حسن مكي” مؤلف الكتاب الشهير  “نميري.. الإمام والروليت” فكتب: لا شك أن الرئيس السابق “نميري” كان يتمتع بـ “كاريزما” خاصة.. شخصيته قوية وجذابة وإلى حد كبير اعتقد أنه من طراز الضباط المتملكين لخواص القيادة منذ فترة دراسته في الكلية الحربية.. على المستوى الشخصي هو إنسان كريم وشهم وطيب المعشر ووفي لأصحابه القدامى وصاحب نكتة.
 وقد كتب الأستاذ “رشيد خالد إدريس قائلاً :(أذكر أن “نميري” قام بزيارة تفقدية إلى المديرية الشمالية في عام 1972م، ومعه وفد كبير، وكانت الرحلة من كريمة إلى دنقلا عن طريق الباخرة، وفي طريق العودة إلى أم درمان استغل “نميري” اللواري السفرية التي تقطع صحراء بيوضة في رحلة شاقة كثيراً ما تحفها المخاطر بسبب وعورة الطريق. وفي طريقه تفقد أحوال العرب الرُحّل من الهواوير والقريات والحسانية الذين ينتشرون في جوف الصحراء، ومنهم من يسمع ولأول مرة أن هناك رئيساً للبلاد يدعى “نميري”. وفي طريقه أيضاً زار “أم الحسن” تلك الإعرابية الشهيرة صاحبة “قهوة أم الحسن” في منتصف المسافة بين دنقلا وأم درمان، نزل الوفد “ونشلوا الموية من البير” وشربوا وصلوا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً وملأوا القرب ماءً استعداداً للدخول في جوف الصحراء التي تبتلع كل من يتوه عن درب اللواري).
وقال “رشيد” إن “نميري” بعد أن شرب الشاي المر مع “أم الحسن” قال لها: (نحفر ليك بير ارتوازي هنا عشان ترتاحي من نشل الموية بالحبل، وعشان تشربي الموية النضيفة، والناس يجوا ويعمِّروا المكان دا)، وقد كان. ومضى قائلاً: (في ذات الرحلة كان “النميري” راكباً قدام في بيت السواق طرف، وكان اللوري كثير الوحل في الرمال وخاصة في قوز “أبو ضلوع” عند مدخل أم درمان، وكلما يوحل اللوري “يتلب” أبو عاج ويرمي “الصاجات” مع الصبية العاملين في خدمة اللوري!! إلى أن وصلوا أم درمان تاني يوم. في ذلك اليوم صدرت من “نميري” زفرة حري وقال: الجماعة ديل دايرين (زلط)، لكن ما في قروش.. والشيء الثاني أخشى أن يتهمني الآخرون بالانحياز إلى أهلي في الشمالية).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية