الوزير المنتظر
قيل إن الشيخ “مصطفى الأمين” رجل الأعمال الشهير عزم على زيارة أحد المصانع الناجحة.. ومنذ الصباح الباكر وقف الشيخ بين العمال والمهندسين.. يوزع الابتسامات ويداعب الجميع وتلك سياسته في تحفيز العاملين معه وسأل عن الإنتاج وكانت الإجابة في زيادة كل يوم.. وسأل عن المشكلات التي تواجه العمال والمهندسين والإجابة: لا مشكلة.. وسأل عن مدير المصنع.. والإجابة: في إجازة منذ شهر ونصف خارج السودان!! وسأل هل تأثر الإنتاج بغيابه فقالوا لا.. قال الشيخ (أفصلوه)!! تلك هي حكمة أهل الفطنة كما روى “حسين خوجلي” في قصصه وحكاياته.. وفي هذا الشهر نسأل الله أن يكتب الصحة والعافية لــ”أبو ملاذ” أستاذنا الذي له في أعناقنا دين يصعب سداده وفضل لا يعرفه إلا من شهد الرجل يأخذ بأيادي تلاميذه في مهنة الصحافة وفي هذه الأيام حل معظم الولاة حكوماتهم في انتظار تشكيلها من جديد.. وقد ضاقت مساحة الاجتهاد على الولاة.. وأصبحت أياديهم مغلولة في اختيار الوزراء والمعتمدين.. وفاضت الخرطوم بالفاقد الدستوري المنتظر تعيينه خاصة فاقد المؤتمر الوطني الذي تنازل عن (50%) من كراسي السلطة بالولايات لشركائه في الحوار الوطني وأصدقائه القدامى.. وفي كل ولاية ثماني وزارات(4) منها خاصة بالأحزاب هي التي تعين منسوبيها وفق شروط عامة مثل المؤهل الأكاديمي وحسن السيرة والسلوك ولا يشترط على الوزراء القادمين من خارج نوافذ المؤتمر الوطني الكفاءة والجدارة.. لأن الولاة أنفسهم لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء الوزراء.. وقد يمكث أحدهم عشر سنوات ولا يزحزحه إلا رئيس الحزب.. وقد ضاقت دائرة الاجتهاد فأصبح الوالي يتلقى ترشيحات(4)وزراء يقدمهم إليه ديوان الحكم الاتحادي في مظروف مكتوب عليه (سري وشخصي) وعلى الوالي أن يصدر قراراً بتعيين هؤلاء الوزراء الأربعة بغض النظر إن كان لهم ولأحزابهم وجود في ولايته أم لا؟.. مثلاً قد يفرض على والي كسلا تعيين وزير من حركة العدل والمساواة ويفرض على والي وسط دارفور تعيين وزير في حكومته من مؤتمر البجه أو الأسود الحرة.. وحتى حصة المؤتمر الوطني الرباعية يستقبل الوالي ترشيحات من المركز لاثنين من الوزراء المصدرين من ولايات أخرى من بينهم بالضرورة وزير المالية والتخطيط العمراني والولاية الوحيدة المستثناة من ذلك هي ولاية الخرطوم التي يختار واليها وزراء حكومته على (كيفه).. ويصبح هامش اختيار الوالي وزيرين فقط في حكومته.. وعليه مراعاة تمثيل بعض الأجهزة مثل الجيش والشرطة والأمن وتمثيل المهنيين من أطباء ومهندسين وصحافيين.
ولكن للولاة كامل الحق في اختيار المعتمدين بعد أن يشير إليه د.”فيصل حسن إبراهيم” ببعض التوجيهات الخاصة باستيعاب الوافدين الجدد على الحزب والموعودين من قبل كبار المسؤولين، ويعقد الولاة اجتماعات مكثفة في الخرطوم لاختيار المعتمدين (المفحوصين) أمنياً وسلوكياً.. ثم تخضع عمليات الترشيح لأعمال مبدأ التوازنات القبلية من كل قبيلة معتمد يعين بعيداً عن أهله وعشيرته وما بين رغبات المركز وتوازنات الأجهزة.. وتمثيل القبائل والعشائر تضيع الكفاءة والمقدرات ويأتي التعيين بأنصاف الموهوبين وأغلب الموهومين.. ولكن إذا سألت عن الأداء في فترة حل الحكومات وغياب الوزراء والمعتمدين وتكليف المديرين التنفيذيين والمديرين العامين لوجدت الإجابة أقرب لإجابة العمال والمهندسين في مصنع الشيخ “مصطفى الأمين” ولكن لا يستطيع الولاة الاستغناء عن الوزراء والمعتمدين لأن الوالي (مسير مش مخير).