الفريق ركن "محمد بشير سليمان" في حوار فوق العادة لـ(المجهر) (1-2)
الرئيس قال لي أنت كفاءة ونزاهة ولكن قررنا أن نحيلك للمعاش
طالبت بالتحقيق معي ومحاسبتي إن كنت مذنباً
كنت ضمن (30) تم ابتعاثنا للكلية الحربية وتدريبنا كان (18) ساعة في اليوم
حوار – وليد النور
من قرية “شريم الناظر” ريفي بارا بولاية شمال كردفان أكمل تعليمه كأحد أبناء الطبقات الوسطى في المجتمع، قبل في كلية الآداب جامعة الخرطوم لكنه فضل الانضمام إلى القوات المسلحة وتدرب في الكلية الحربية المصرية في فترة كان الجيش الإسرائيلي يقصف الأراضي المصرية مما اضطر الكلية الحربية المصرية أن تدربهم في باطن الأرض ولمدة (18) ساعة في اليوم، وعاد إلى الخرطوم، وعندما جاءت ثورة الإنقاذ انضم إليها وهو برتبة العقيد، أدخل التأصيل في القوات المسلحة.. تدرج حتى وصل رتبة الفريق ورئيس هيئتي التدريب والتوجيه.. وتمت إحالته للتقاعد بتهم أنه خطط لانقلاب، وقال إنه لم يحقق معه في ذلك.
جهر برأيه في قول الحق، فقال إن الفاشلين هم من حاكوا ضده المكائد.. بعد تقاعده للمعاش تفرغ للكتابة ووضع الخطط، دخل تجربة الأحزاب فخرج منها بأنها لا تتماشى مع برامجه.. (المجهر) ذهبت إليه في منزله بضاحية النخيل بأم درمان فكانت المحصلة الحوار التالي مع الفريق الركن “محمد بشير سليمان”:-.
{ سعادة الفريق ما سبب دخولك الجيش وليس الشرطة أو الأمن وأنت القادم من قرية “شريم الناظر” بشمال كردفان.. هل في الأسرة من سبقك؟
_ (أخذ نفساً طويلاً).. رجعتني لسنين طويلة وافتقد رغم تخطي عمري الستين لوالدي جداً، فحقيقة قرية “شريم الناظر” كانت فيها نظارة عموم الجوامعة.. الوالد عليه الرحمة ومجموعة من رجال القرية كان لهم قصب السبق في إنشاء قوة دفاع السودان، بجانب عدد من أهلنا النوبة، لكن أنا أقول أهلي في “شريم”، وهي ثلاث “شريمات” وجزء من منطقة شرق بارا كان لهم السبق أن تنشأ قوة دفاع السودان في بارا. وتدربوا والتحقوا بها ثم استنفروا لاحتواء التهديد الإيطالي في شرق السودان في الحرب العالمية الثانية.
{ كان والدك ضمن قوة دفاع السودان؟
_ والدي كان رقيب فصيلة، قاتل في “مصوع” و”كرن” وهزموا الألمان، وهذا تاريخ نعتد به في البسالة والشرف وكثير من قيمنا التي نفتقدها والقوة التي تحركت كان فيها عمي ضابطاً في سلاح الهجانة وبها أيضاً جنرالات في الجيش السوداني، “حسن بشير” واللواء “حمد النيل” واللواء المقبول هؤلاء جزء من قادة عظام قادوا مهام في شرق السودان ومعارك حربية في شمال أفريقيا، ولأول مرة يركبون البحر، قاتلوا وصمدوا، ويحكون تاريخاً نأسى ألا يدرسه أبناؤنا في المدارس كان يحكيه لي والدي، وأنا منذ الصغر تشبعت بهذه القيم ودخلت المدرسة الصغرى، فضلاً عن أننا جيل قام مسؤولاً وهو في بطن أمه.
{ بداية تعليمك.. أين كانت؟
_ تعليمي كله كان على نفقتي الخاصة كنت أدبر مصاريفي في الإجازات، وأذكر من الذين دفعوني للتعليم ابن عمي “إبراهيم أحمد زكي” وهو متوفى، نسأل الله أن يرحمه، لأنني عندما امتحنت من الرهد الوسطى للثانوي، ونتيجة للظروف الاجتماعية قررت أن أذهب إلى معهد الدلنج لأتخرج معلماً، والمعلم في ذلك الوقت كان (معلم)، والدولة كانت تهتم به، كان له شأن، ونحن عندما درسنا كان المعلم قدوتنا وأخانا وأبانا لأنه يمثل قيماً غير موجودة الآن.
{ ولماذا لم تعمل بالتعليم؟
_ جاءني ابن عمي في مدرسة وادي سيدنا القديمة وقال لي لا تذهب وأكمل الشهادة، وامتحنت وكنت من المقبولين في كلية الآداب جامعة الخرطوم، وجاءني زميلي في الرهد الثانوية عميد ركن مهندس “إسماعيل آدم” من (أم ريكة)، وقتها كنت أسكن مع أقربائي في الديم شرق بالخرطوم، وقال لي كلنا أبناء فقراء وطلب مني أن نذهب إلى الجيش وكنت في وادي سيدنا محباً لـ”الكديت” فقلت له فلنجرب وذهبت وقدمت معه وأخذت قبله إلى الجيش في دفعة اسمها (ثلاثين) مشاة وكانت بداية ثورة مايو ولها علاقات مع مصر ونحن أول ثلاثين طالباً حربياً انتدبوا للكلية الحربية المصرية. أول ثلاثين كنت أنا ومعي (29) في دفعة (59) من الكلية الحربية المصرية دفعة الشهيد “عبد اللطيف جمجوم”، وكانت في ذلك الوقت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل فكل فترة التدريب أمضيناها تحت الأرض وكنا ندرس (18) ساعة في اليوم ومصر في ذلك الوقت تستعد لحرب العبور، وكنا تحت تهديد الجيش الإسرائيلي الذي اضطر القوات المصرية إلى نقل دفعها البعدنا للتدريب في جبل أولياء.
{ ما هو أول سؤال سألك له القائد العام في المعاينة؟
_ هنا يجب أن نترحم على الرئيس الراحل “جعفر نميري”، الرجل الفارس و(الراجل) و”خالد حسن عباس” و”أبو القاسم محمد إبراهيم” و”مأمون عوض أبو زيد” و”أبو القاسم هاشم” وقال لي “نميري”: ما الذي دفعك للدخول إلى الكلية الحربية وأنت من بارا؟ فقلت: سمعت والدي يتحدث عن “كرن” و”العلمين” وذلك الذي دفعني فقال روح خلاص قبلناك، وهذا ما يحمد لثورة مايو، قبلتنا دون أن تحدد هويتنا السياسية، وهذا يحسب لقومية القوات المسلحة على الرغم من الاتهام لها أنها كانت محسوبة على اليسار والبعثيين، ولم أكن أنتمي للحركة الإسلامية ولا لحزب سياسي، وكنت ضمن اتحاد طلاب مدرسة وادي سيدنا.
{ متى دخلت الحركة الإسلامية؟
_ لم أدخل الحركة الإسلامية، لكن الحقيقة عندما قامت ثورة الإنقاذ الوطني وكنت حينها برتبة عقيد ركن في الفرقة الثانية مشاة بمنطقة خشم القربة، لا سيما أن الفترة الأخيرة لحكومة الأحزاب عانت فيها القوات المسلحة كثيراً، وكانت في حالة بائسة جداً، ونحن في القوات المسلحة بحكم تمدد التمرد وتفوقه في القدرات علينا كنا نبحث عن أمل بالرغم من كل ما يقال.
{ ما الذي دفعك للانضمام إلى الثورة؟
_ ما دفعني في ذلك اليوم هو أن هنالك أملاً جديداً جاء إلى السودان لينقذ القوات المسلحة بعيداً عن أي انتماء سياسي، ذلك الذي دفعني لأعمل بكل طاقتي وجهدي في القوات المسلحة وكانت لديّ رؤى كبيرة عملت منها الكثير.. ولكن.. في السودان هذه كلمة أقولها والآخرون قولوها عليك بتجنب التمييز وتحاشَ تقاطع فكرك مع آخرين هم أصلاً لا يملكون فكراً، وأن يتضايق منك آخرين لا يملكون القدرات ولكن يسعون للسلطة، وأن تستهدفك بطانة السلطان، وتحاشَ أصحاب المصالح، هؤلاء هم المعضلة التي أهلكت الإنقاذ وأخرجتني من القوات المسلحة مؤامرة.
{ أنت كنت مقرر مجلس الأمن القومي الإستراتيجي؟
_ نعم، وأحسب أن الإستراتيجية التي وضعت 92 -2002 غير منطقية.
{ لماذا؟
_ لأنه لا توجد إستراتيجية توضع كحلم.. الإستراتيجية توضع بتقدير إمكانيات وهم يقولون احلم بالإستراتيجية في أطار السياسة حتى تحدث تنمية حقيقية، ضع الإستراتيجية القومية في إطارها الكلي وفق قدراتك المادية والبشرية والبعد الخارجي حتى تصبح واقعاً بدل أن تأتي بإستراتيجية كل خمسة أعوام وأنت لم تنفذ ما سبقها.
{ أنت من أدخلت التأصيل الإسلامي في الجيش؟
_ نعم، ومقتنع بذلك التأصيل من باب أنا اقتنعت، وأحسب أنه عبادة كانت من ضمنها عقيدة الجهاد وحققت نسبة كبيرة من حاجة القوات المسلحة في بداياتها في بناء القوات المسلحة، وعندما دخل أصحاب المصالح وعدم المصداقية انتكست القضية.. ما تركناه أصلاً كان موجوداً، وهو بناء قيم والدفاع عن الدولة، والسودان كان مستهدفاً في عرضه وعقيدته ووحدته، ولكن لم نكن (تبع) في يوماً وكان لنا رأي واضح وهذا ما جعلهم يقولون إننا سياسيون، وهذا ما جعلهم يقولون فينا “انتلجنسيا” وأصبحوا لا يقبلون النصيحة.
{ كنت الناطق الرسمي؟
_ كنت مديراً لأخطر هيئتين، لأن مدير التدريب عين والياً، ولذلك عملت مديراً للتدريب والتوجيه والناطق الرسمي للقوات المسلحة تسلمتها بكل أمانة والجيش كان به تدريب ما كان موجوداً، لكن الذين أتوا من بعدنا رأوا أن الذي قمنا به شيء خاص أو أننا نسعى لانقلاب.
{ أبعدت؟
_ في كلمتين قالها لي الرئيس وأنا راض: نشهد بنزاهتك وكفاءتك ولكن قررنا أن نحيلك للمعاش، فسرها لي.. وطلب مني أن أتولى وظيفة أخرى لكني رفضت، وطلبت أن اعتقل ويتم التحقق معي وإذا كنت غير بريء أعدم في الساحة الخضراء، وإذا كنت غير مذنب يصدر بيان من القائد العام يؤكد براءتي.
وقلت للرئيس أنا لا خائن ولا غدار، ولكن الأمر ما زال يؤثر فيّ وفي أسرتي لأن الخدمة التي قدمتها للقوات المسلحة لا يمكن أن أخرج منها متهماً.. وقال لي الرئيس لقد تآمروا عليك، وخدعنا، وقلت له أعد لي اعتباري الشخصي وهذا ما أحمله في نفسي.
المؤتمر الوطني ذكر أنه حوّل الدفاع الشعبي، وكنت أحسب أن هذا ينطبق على الخدمة الوطنية، إلى الاحتياطي الوطني (ياخ ما في حاجة اسمها احتياطي).. كل من يحمل السلاح يجب أن يكون تحت مظلة القوات المسلحة، الدفاع الشعبي هذا يديره سياسيون تبع الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، أنا أعتقد احترام عقول الناس مهم جداً لأنه لا يوجد حزب في دولة ديمقراطية لديه أي جناح أو جهة تحمل السلاح، ويجب أن تتحول الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وهذا غير موجود.
{ الدفاع الشعبي به إدارة عسكرية ومدنية؟
_ فليكن، هذه تغطية، لكن الإدارة الحقيقية هي إدارة مدنية سواء في الدفاع الشعبي أو الخدمة الوطنية، ونحن كنا داخل هذه المؤسسات نعلم كيف تنشأ وكيف تدار ولمن تبعيتها حتى لو كانت اسماً تتبع للقوات المسلحة لكنها في الواقع ليست ما يقوله القانون، إذا الاقتصاد كما قلت لك يدار في كلمتين غير مجاز أمنياً.
{ ما رأيك في تعديل قانون الخدمة الوطنية والدفاع الشعبي لسنة 2017؟
_ مهما يكن الأمر ليس في تعديل القانون، لكن في قومية القوات المسلحة وفي قومية هذه المؤسسات شبه العسكرية، قوميتها فيمن يقودها، وهيكلها ومن يتولى إدارته، إذا أرادوا ذلك فليأتوا بكل الذين يديرون الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية ويؤدوا القسم إنهم لن يكونوا تبعاً لحزب وهم تبع القوات المسلحة، لأننا كنا داخل هذه المؤسسات نعلم كيف تنشأ وكيف تدار ولمن تبعيتها، حتى لو كانت اسماً تتبع للقوات المسلحة لكنها في الواقع ليست ما يقوله القانون.