برش الفطور .. بين الماضي والحاضر
افتقد الكثير من السمات الجميلة
المجهر – خالد الفاضل
بالرغم من أن عادة تجمع السودانيين للإفطار خارج المنازل مازالت موجودة ولم تندثر، ولكنها تناقصت كثيراً مقارنة بأزمان خلت وافتقرت لكثير من السمات الجميلة التي كانت تصاحبها، ويلاحظ أنها أصبحت محصورة في الأحياء الطرفية التي يغلب عليها الطابع الشعبي وما زال سكانها يحتفظون بسمات إنسان الريف الجميل، أما وجودها في الأحياء الراقية فهو في حكم النادر، حيث يغلب على سكانها تناول الإفطار في منازلهم .. وفي كل الأحوال كما تحدث إلينا عدد من المستطلعين في هذه المساحة فإن الإفطار الجماعي خارج المنازل أصبح محصوراً على تناول الإفطار وأداء صلاة المغرب فقط، وبعدها يتفرق الناس إلى بيوتهم وافتقد إلى كثير من العادات القديمة مثل المؤانسة والسمر وتناول القهوة والشاي.
تفاخر
الإفطارات الجماعية خارج المنازل مازالت تحتفظ برونقها القديم في القرى البعيدة، أما في العاصمة فأصبحت مجرد عادة أو روتين، هكذا ابتدر “عثمان الأمين” من ولاية نهر النيل حديثه، وأضاف في القرى الناس أكثر ترحاباً وأكثر بشاشة، فما أن يتصادف مرورك بأحد (البروش) حتى يتدافعوا نحوك تسبقهم عبارات الترحاب ويجبرونك على الجلوس لتناول الإفطار، وفي الريف يحرص الجميع على أن يكون نوع الوجبة الرمضانية موحد حتى لا يكون هنالك حرج فتجد كل الصواني تحتوي على صحن العصيدة والبليلة فقط . أما في العاصمة فتجد البعض ينظرون للإفطار في الشارع على أنه مساحة للتفاخر وإظهار المقدرات فتجدهم يتفننون في حشد الصينية بأغلى وأفخر أنواع الطعام هذا غير العصائر التي تصنع بالفواكه المستوردة من خارج البلاد.
موقف طريف
ويعود “نزار عثمان” مقيم بالسعودية بذاكرته إلى الوراء ليحكي لنا قصة موقف حدث له في شهر رمضان قبل سنوات ويقول: (تجمع الجيران للإفطار خارج المنزل عادة جميلة، وأذكر حادثة وقعت لي عندما دعاني أحد الأصدقاء لتناول وجبة إفطار رمضان بمنزلهم الكائن بأحد الأحياء الطرفية وبالرغم من وصفه الدقيق إلا أنني وفي اللحظات الأخيرة قبل الإفطار ضللت الطريق وظللت أتجول بين الطرقات دون هدى ولم يبق على موعد الإفطار سوى دقائق قليلة الطريف في الأمر أنني صادفت أكثر من عشرة (بروش) وبذلت مجهوداً جباراً لإقناعهم بأنني وصلت والمكان الذي أقصده قريب وكان الأمر مرهقاً جداً وفي النهاية استسلمت وتناولت الإفطار في أحد (البروش) والمضحك أنني اكتشفت بعد ذلك أنه لا يبعد عن منزل صديقي سوى أمتار قليلة.
مقارنة مفقودة
يقول الشاب “محمد الفاضل”: الناس ما زالوا يتجمعون لتناول إفطار رمضان خارج المنازل، وفي هذا نوع من التكافل الاجتماعي، فهذه التجمعات تكون في كثير من الأحيان ملجأ لمن تأخر به الوقت أو حالت المواصلات دون الوصول إلى منزله في وقت الأذان، بالرغم من ذلك فإن المقارنة مفقودة بين هذه الإفطارات في الماضي والوقت الحاضر.. زمان الناس كانوا أكثر حميمة ولا يوجد منزل واحد يتخلف عن الخروج بإفطاره إلى الشارع، ولكن الآن قد تجد في الحي أكثر من (100) منزل، ولا يخرج منها سوى عشرة أو عشرين، وصدقني يحدث كثيراً أن تمر بأحد هذه التجمعات في وقت الأذان ولا يلتفت إليك أحد لدعوتك .
نميمة
“محمد النذير” رد علينا بسرعة وغضب: أنا شخصياً لا أخرج بـ(صينيتي) في رمضان، توقفت عن ذلك بعد أن اتضح لي أنها تجمعات للنميمة والقيل والقال فقط، فما أن يفرغ الناس من تناول الإفطار حتى يبدأون في الحديث عن فلان وعلان وهذا تزوَّج وهذا طلق وهذا اشترى عربة جديدة، بصراحة هذا لا يليق بالشهر الفضيل المفترض أن تكون الإفطارات في الشوارع مساحة للحديث الطيب والتذكير بأمور الدين، فهذا شهر الرحمة والمغفرة.
قنوات فضائية
ويقول “مصطفى حسن”: أنا شخصياً لم أتوقف على مدى سنوات طويلة من الخروج بإفطاري إلى الشارع مشاركة مع الجيران، ولكن بصراحة في الماضي كان للإفطار نكهة وطعم خاص فجلسات الإفطار تمتد إلى ما قبل صلاة التراويح ما بين تناول القهوة والشاي والسمر الجميل، أما الآن فما أن ننتهي من تناول الإفطار والصلاة حتى يتفرغ الناس مسرعين لمشاهدة ما تبثه القنوات الفضائية عقب الإفطار مباشرة وهذا أفقده الكثير من رونقه القديم .