"مصر" بعد مدرعات "مناوي".. مطلوب تفسيرات
{ استولت القوات المسلحة السودانية على مدرعات وأسلحة وذخائر تابعة للجيش “المصري” خلال عمليات دارفور الأخيرة عند دخول قوات حركة “مني أركو مناوي” شمال وشرق دارفور من محوري “ليبيا” و”جنوب السودان”.
{ أصدرت الخارجية المصرية بياناً رسمياً أمس الأول نفت فيه اتهامات السودان لمصر بالضلوع في الهجوم الفاشل لحركة “مناوي”، وأكدت أن مصر لا ولن تتآمر على السودان.
{ الرئيس “السيسي” علق أمس على الاتهامات في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار النمساوي الزائر للقاهرة، وقال إن سياسته الثابتة هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول خاصة الجيران، وقال إن مصر لن تتآمر على السودان ما دام هو على الكرسي رئيساً.
{ حسناً.. ولكن المطلوب من مصر الدولة تفسير وقوع مدرعات وعتاد حربي “مصري” في يد الجيش السوداني بدارفور.
{ كيف وصل هذا السلاح إلى حركة “مناوي” متى.. وكيف.. وأين؟! وما حقيقة ما تسرب على لسان “مناوي” في اجتماع مع قادة حركته بـ”كمبالا” عن أن ضابط الاتصال “المصري” في الخرطوم زودهم بمعلومات غير دقيقة عن حركة قوات الدعم السريع؟! بالمناسبة أين السيدة “قدح الدم” لتفسر لنا أسباب وجود “مناوي” وغيره من قادة حركات التمرد في العاصمة اليوغندية، واستمرار تمتعهم بتسهيلات وحماية الدولة هناك، رغم تعاون السودان مع يوغندا وأمريكا في ملف (جيش الرب)؟!
{ ثم علينا أن نسأل “القاهرة”: ما هي الإجراءات التي ستتخذها الدولة المصرية خلال الفترة المقبلة منعاً لتسرب الأسلحة والمعدات الحربية التي أرسلتها إلى جيش الفريق “سلفا كير” في الجنوب، ومليشيات اللواء “حفتر” في ليبيا، تسربها إلى حركات دارفور المتورطة في حربي الجنوب وليبيا، هذا إذا افترضنا أن ما تم ضبطه في دارفور تسرب دون علم “مصر”، ولم يقدم مباشرة إلى حركة “مناوي”؟!
{ إنه تطور سالب جداً.. في مسار العلاقات السودانية المصرية، فعلى امتداد تاريخ توتر العلاقات بين البلدين، لم يحدث أن اتهمت حكومة السودان الدولة المصرية بتقديم دعم (عسكري) للمتمردين في جنوب السودان أو دارفور.
{ لقد شاركت “ليبيا القذافي” و”إثيوبيا” و”إريتريا” و”يوغندا” في دعم الجيش الشعبي المتمرد في جنوب السودان بقيادة “جون قرنق دي مبيور” خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بالمال والسلاح والتدريب وفتح الحدود لعبور قوافل المقاتلين وتعييناتهم، وظلت بعض هذه الدول المجاورة تدعم (الجيش الشعبي) أثناء الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام وبعد انفصال جنوب السودان في العام 2011م.
{ وفتحت “تشاد” أرضها وحدودها لحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، منذ العام 2003م، وشكل الجيش التشادي إسناداً كبيراً للتمرد في دارفور قبل تسوية الخلاف بين البلدين، وتطبيع العلاقة بين “الخرطوم” و”أنجمينا”، وتحول الرئيس “إدريس ديبي” إلى (وسيط) لتحقيق السلام في دارفور.
{ على طول هذه الأزمات والحروب.. ورغم أن علاقة “الخرطوم” و”القاهرة” ظلت فاترة.. قبل وبعد محاولة اغتيال الرئيس “مبارك” في “أديس أبابا” عام 1995م، إلا أن “مصر” لم تتورط في أي أعمال حربية أو مساعدات لوجستية لحركات التمرد في السودان، سوى سماحها لبعض رموز المعارضة (السياسية) بالإقامة في مصر مع تحذيرها من التدبير لأي عمل عسكري ضد السودان من داخل الأراضي المصرية.
{ جميع دول الجوار العربي والأفريقي، ودول عربية وأفريقية أخرى، دعمت التمرد في جنوب السودان (عسكرياً) ودبلوماسياً، ودعم بعضها تمرد دارفور على فترات مختلفة، وظلت “مصر” تكتفي بمنحهم تأشيرات الدخول، بحجة أنها تريد أن تبقى دائماً على مسافة واحدة من القوى السياسية كافة في السودان، وربما من ثمرات هذه السياسة انتقال الإمام “الصادق المهدي” زعيم حزب الأمة القومي من خانة الخصومة لمصر عندما كان حاكماً، إلى مربع الصداقة والدفاع عن مصر حالياً، انطلاقاً من رؤية إستراتيجية.
{ ما يحدث الآن على صعيد علاقتنا مع مصر مؤسف للغاية، تماماً كما قال الرئيس “البشير” الذي قاتل بنفسه يحمل روحه بين كفيه، في جبهة “سيناء” مع أشقائه الضباط والجنود المصريين في حرب 1973م في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وانتصروا عليه ودمروا خط “بارليف” في ملحمة حربية خالدة، وكرمته “مصر” بعد (43) عاماً بمنحه نجمة الشرف في أكتوبر من العام الماضي.
{ لابد أن نطالب الدولة المصرية بتفسير واضح لوجود أسلحة ومعدات حربية مصرية بأيدي قوات متمردة في دارفور..
{ لن تنفع الإنشاء والتعابير العاطفية في مثل هذه المواقف.. نريد توضيحات من الجيش المصري على هذه التجاوزات، وإرسال مبعوث رسمي إلى الخرطوم يوضح الحقائق للقيادة السودانية، حتى لا تنزلق العلاقة إلى ما لا تحمد عقباه.