مجرد سؤال
(والأماسي بتبكي في أسى ما اعتيادي)
رقية أبو شوك
يا سبحان الله، تمر السنون سريعاً دون أن ننتبه لها.. وما بين سنة وأخرى تكون هنالك تفاصيل كثيرة لأحداث.. بعضها سعيد وآخر مؤلم.. فالأحداث السعيدة ربما لا نتوقف عندها كثيراً لكننا حتماً نتوقف عند المحزن منها.. نسرح طويلاً ونحن نتذكر فقد عزيز ذرفنا الدموع لفراقه.
أمس (الجمعة) كانت الذكرى الأولى لرحيل الأستاذ المبدع “سعد الدين إبراهيم” ابن (المجهر) التي عشقها حتى آخر ثانية في حياته حيث مقاله الراتب كان بأخيرتها وهو في عداد الموتى.
الأستاذ “عامر باشاب” صاحب الخلق الرفيع دائما ما يذكرني ونحن في زحمة الحياة، فقد كتب أول أمس (الخميس) مادة أحسب أنها من أجمل ما قرأت في ذلك اليوم، وجاءت بعنوان: (مرت سنة على رحيل زول جميل).
الآن وبمناسبة عام على رحيله وددت أن أعيد ما كتبته في رحيله والذي نشر بـ(المجهر) بتاريخ الرابع عشر من مايو 2016م بعنوان (والأماسي بتبكي في أسى ما اعتيادي)..
وإليكم المقال:
رن هاتفي باكراً أمس الأول (الخميس) لأجد على الخط الزميلة الأستاذة “روضة الحلاوي” والعبرة تخنقها لتخبرني بوفاة الأستاذ الشاعر الرقيق “سعد الدين إبراهيم” وتقول لي: (سعد الدين مات يا رقية).. “اتخلعت” وقلت لها: (إنت متأكدة من الخبر دا) قالت لي: (أيوة متأكدة والدفن كمان الساعة 8 صباحاً) قلت لها: (لا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون)..
و”روضة الحلاوي” من تلاميذه في المدرسة الصحافية، تخرجت على يده من بوابة صحيفة (الحياة والناس) التي كان يرأس تحريرها.. فكان جل اهتمامه رعاية الأجيال الصحفية القادمة.. كان يقدم لهم كل ما هو ممكن هو والأستاذ “عبد الرحمن أحمدون” الذي رحل هو الآخر ولحق به الشاعر المرهف “سعد الدين إبراهيم” تاركاً وراءه الدموع والعبرات لكل الذين يعرفونه ويتعاملون معه من خلال الكلمة المكتوبة شعراً وتلك التي كانت تعالج الكثير من المشاكل الاجتماعية، وأخرى كانت تنوه إلى أهمية دور الأب في (أبوي شعبتنا روح آمالنا)
ﺃﺑﻮﻱ ﺷﻌﺒﺘﻨﺎ ﺭﻭﺡ ﺁﻣﺎﻟﻨﺎ
ﺿﺮﺍﻋﻮ ﺍﻟﺨﺪﺭﺍ ﺳﺎﺭﻳﺘﻨﺎ
ﻧﻘﻴﻞ ﻭﻓﻲ ﺿﻠﻴﻠﻮ ﻧﺒﻴﺖ
ﺃﺑﻮﻱ ﺍﻟﻘﺪﻟﺔ ﺑﻲ ﻋﺰﺓ
ﻭﺃﺑﻮﻱ ﺯﻏﺮﻭﺩﺓ ﺍﻟﺴﻤﺤﺎﺕ
ﺃﺑﻮﻱ ﻋﺎﺷﻖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻨﻴﻞ
ﻫﻮ ﺫﺍﺗﻮ ﺷﻤﺲ ﺗﺼﺎﺭﻉ ﺍﻟﻠﻴﻞ
ﺗﺼﺮ ﺗﺒﺪﺩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎت
رحل وهو يعلمنا يومياً درساً دون مقابل عندما يكتب في زاويته المقروءة جداً بـ(المجهر) “النشوف آخرتها”.. يعلمنا كيف أن المواصلات العامة بها قصص وحكايات ونوادر وطرائف يمكن أن تكون كتاباً لمن أراد أن يوثق لها، الأمر الذي يؤكد أنه يمشي راجلاً أو يصل عن طريق المركبات العامة للمكان الذي يقصده حيث لا سيارة له.. ومن هنا يأتي التواضع الذي يظهر في تعامله مع الآخرين وفي كتاباته.
العزيزة الما بتسأل عن ظروفنا
الوحيدة الطال عشان جيتك وقوفنا
العزيزة الما بتسأل عن ظروفنا
الوحيدة الما بتحاول يوم تشوفنا
المواعيد لسة حزنانة بتنادي
والأماسي بتبكي في أسى ما اعتيادي
ما كنتِ بهجتا براوئع قوس قزح
والله ما طلانا من بعدك فرح
سلميلنا على ضفايرك موجة موجة وكلميها
قولي ليها حرام تتوه فيها المواسم ونحنا بالجد نشتهيها
سلميلنا على عيونك يوم تسهي تغروديها
سألت مرة عنه لأنه غاب عن (المجهر) رغم أن زاويته لم تغب، فعرفت أنه مريض وعندما سألته عبر الهاتف قال لي: (والله مشيت الدكتور لحاجة بسيطة، الدكتور اكتشف إنو عندي كمية من الأمراض وصرف لي كمية من العلاج).. لكنه عاد بكل قوة وحيوية وشارك (المجهر) الاحتفال بعيدها الرابع، فـ(المجهر) صحيفة رؤساء التحرير كما قال ربان سفينتها الأستاذ “الهندي عز الدين”، حيث ترأس الأستاذ “سعد الدين” تحرير العديد من الصحف إلى أن استقر به المقام في (المجهر).
وعن حبيبتي أنا بحكي ليكم
ضل ضفايرها ملتقانا
شدُّوا أوتار الضلوع
أنا بحكي ليكم عن حنانا
مرة غنت عن هوانا
فرّحت كل الحزانى
ومرة لاقت في المدينة
الحمامات الحزينة
قامت أدّتا من حنانا
ولما طارت في الفضاء
رددت أنغام رضا
وقد رحل الأستاذ “سعد الدين” بعد أن سجل للإذاعة السودانية برنامجاً ينتظر أن يبث في رمضان.. اللهم ارحمه وأبدله أهلاً خيراً من أهله وداراً خيراً من داره.