رأي

عابر سبيل

سودان التفرد والسماح!
ابراهيم دقش
عرفت الأستاذ “الطيب علي عبد الرحمن” خلال إعداده لكتابه الشهير عن (حنتوب الجميلة)، إذ حرص على لقائي كأحد منسوبي (دفعاتها) في مطلع الستينيات، فهو أستاذ جغرافيا وتاريخ وشغل منصب ناظر (حنتوب)، فلا عجب إذا هام بها، خاصة وهو ينتمي لمدني والمسلمية مولداً ونشأة، و(حنتوب) كانت مفخرة من مفاخر الجزيرة كصرح علمي جعل واحداً من كردفان يتغنى بها هو “محمد عوض الكريم القرشي”، وكانت الأولى بشعره وقصيدة (خور طقت) التي تقع عند أطراف الأبيض.
هذا “الطيب” فاجأني بكتاب جديد في توقيته ووصلني في عقر داري بأم درمان وعنوانه (السودان التفرد والسماح)، ولا تتصوروا عدم صبري فقد تصفحته في حينه، وحولي قوم نسيتهم تماماً حتى نبهوني: ما هذا السفر الذي شغلك وصرفك عنا؟
قلت لهم حسب مؤلفه هو أطروحة في حب الوطن، يتحدث عن حضارة أبناء ملوك الزمان وعن السودان كرمز للهوية وكبوابة للتاريخ، فالكتاب يستعرض حضارات السودان القديم: كرمة ومملكة كوش (750 – 380 ق م) والحضارة المروية واقتصادها وديانة “الكوشيين” وآثارهم.. وهالتني معلومة أوردها المؤلف في صفحة (16) نقلاً عن العسكري الأديب الراحل “عمر الحاج موسى” بأن في مملكة (نبتة) كتبوا اللغة المروية (وهي أول لغة سودانية) بل أول لغة مكتوبة جنوب الصحراء حروفها مشكولة وبين كلماتها فواصل.. ووجدت (كنداكات) أو ملكات مروي حيزاً في الكتاب مثل “أماني شخيت وشندُختو وأماني تاري وأماني ريناس”.
ما يهمني شخصياً أن هذا السفر “تاريخي”، وفيه جهد بحثي ودراسي غطى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد وثلاثة آلاف سنة بعد الميلاد، وتصادف ظهوره مع “مناطحة” بين السودان ومصر حول المشتركات والتكامليات.. وهى فرصة لإعادة “الروح” لتكامل حضارتين يشهد بهما التاريخ.. دعونا من “أيريك بومان” و”شارلي بونيه”، ولنتجه لترميم تلك الحضارة المشتركة..
وشكراً للأستاذ “الطيب علي عبد الرحمن” على الإضافة العلمية البحتة، التي ليس خلفها (ساس يسوس) بقدر ما دافعها التوثيق لسودان متفرد ومتسامح على خلفية مقولة “أوسكار وايلد”:
(العادية تعطي للعالم حجمه أما التفرد فيعطيه قيمته).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية