الديوان

"سعد الدين إبراهيم" نهر العسل الإبداعي الخالد

مرت سنة على رحيل زول جميل
فنان من طراز نادر  جمع بين الهيبة والبساطة
المجهر – عامر باشاب
  { النجوم لا تموت وبريقها لا يخبو مهما طال ابتعادها عنا بل تظل ساطعة ومتوهجة بكل الألق والبهاء  وسودانا الحبيب وطن النجوم عاش على أرضه كم هائل من النجوم والأقمار، تألقوا عبر الأزمان على شاشة الحضور ورغم رحيلهم عن دنيانا الفانية لكنهم ظلوا أحياء بين الناس بسيرتهم الحسنة وبما قدموا من إبداعات، نذكرهم بها في كل حين نسترجع تفردهم ونحكي عن أمجادهم ولا أظن هناك من يشعر بأنهم غير موجودين بيننا  ليس أولهم  (خليل فرح) (كرومة) (سرور) (الكاشف) (علي المك)  (الطيب صالح) (وردي) (زيدان) (الدوش) (أبو آمنة حامد) و(الفاضل سعيد) (صديق منزول) (شبرين) وليس آخرهم (سعد الدين إبراهيم)  الذي نتوقف الآن عند أولى محطات ذكرى رحيله.
جمع بين البساطة والهيبة
{ سعد الدين إبراهيم وما أدراك ما سعد الدين إبراهيم للاسم معنى ودلالات عظيمة ارتباط السعادة أو السعد باسم (أبو الأنباء والمرسلين) سيدنا (إبراهيم الخليل) عليه السلام وإذا انحصرت قيمة الدين في (المعاملة) (الدين المعاملة) فإن سعد الدين إبراهيم كان واحداً من الأشخاص الذين ضربوا أروع الأمثال في المعاملات الإنسانية مع الناس كل الناس فقيرهم وغنيهم ضعيفهم وقويهم، يتفقد أحوال كل من حوله في الحي وفي العمل وفي الوسط يقدم بيمينه دون أن يخطر شماله  يحسن في الجميع حتى المختلفين معه. وسعد الدين من الشخصيات النادرة التي جمعت بين البساطة والهيبة  ساند الموهوبين  خاصة المبتدئين وصعد بهم  إلي عتبات الظهور ومن بين  يديه تقدم الصفوف الكثير من الأدباء والإذاعيين والصحفيين منتمين لأجيال مختلفة كان يبث فيهم روح الحماس عبر عبارات إشادة مباشرة أو مكتوبة. هذه نفحة من نفحات سعد الدين الإنسان.
عصارة خبرات وتجارب
{ أما سعد الدين إبراهيم  الفنان كان واسع الموهبة في شتى ضروب الإبداع الكتابي الشعر والنثر والقصة والمقال وغير ذلك من فنون الكلمة، ولأن الإنسانية أساس الإبداع ظل سعد الدين  يستمد كتاباته من مخزون الحياة المتراكم الذي استقر بدواخله ولذلك ظلت كتاباته عبارة عن عصارة خبرات عملية وتجارب إنسانية  وحكم زمانية وقيم ومعاني واضحة  كتابات لا تشبه ما يخطه كتاب هذه الأيام  الذين لا تفهم منهم شيئاً حتى وإن قرأت كتاباتهم واسترجعتها  أكثر من مرة .
{ سعد الدين دون غيره من الأدباء والكتاب  كل كتاباته الأدبية والصحفية كلماتها  واضحة وتعبيراتها صادقة تدخل القلب وتستقر في عين اليقين. عبر (النشوف آخرتا) الزاوية الصحفية الوحيدة  التي ضمت في أحضانها شخوصاً بسطاء من عامة الشعب أحبهم وأحبوه،  ظل  في أقسى الظروف وأعتى المحن يواجه الأزمات بكتابات ساخرة تنتزع الضحكة وترسم الابتسامة وتجبرك على تجديد هواء الدواخل، وتخرجك من دائرة الاكتئاب إلى مربع التنفيس .
حكاي من الدرجة الأولى 
{ سعد الدين إبراهيم من الكتاب النادرين الذين نجحوا في غوص أغوار الناس  خاصة البسطاء عبر أسلوب كتاباته المختلفة، فهو حكاي من الدرجة الأولى  واستطاع بـ(الحكاوي الواقعية) أن يدق أوتار أحاسيس الناس  لأنه عاشرهم وعاش واحداً منهم يمشي بينهم في الأحياء والأسواق، ويسمع منهم مباشرة دون وسيط أو وسائط ومن أوساط الناس ظل ينقل الصور والمشاهد بكل تفاصيلها وصدقيتها وبوضوح نابع من دواخله البيضاء، يعيش الأحداث ويعكسها بحقيقتها على الورق  الشوارع والبيوت والحارات وتواصل الناس في المواصلات وداخل الأسواق وتمازجهم في المناسبات.
{ لذلك ولكثير غيره نجد سعد الدين كل ما كتب عن إنسان مهما كانت صفته (زعيم) (وزير) (غفير) (تربال)  (حلاق) (فنان) تجد صورة هذا الإنسان،  تتحرك أمام شاشة خيالك بكل ملامحها الصغيرة والكبيرة كان يعبر عن السودانيين البسطاء بطريقة فريدة.
{ ومن نعم الله على سعد الدين إبراهيم  أنه تنقل وتجول بإبداعاته الكتابية بين العديد من المؤسسات الإعلامية بمختلف توجهاتها وسياساتها  (الإذاعة) (التلفزيون) صحيفة (ألوان) (الدار) (الحياة والناس) (دنيا) (الحرية) (الصحافي الدولي) (آخر لحظة) (حكايات) (الجريدة)، وقدر الله أن تكون آخر محطاته الإبداعية بصحيفة (المجهر السياسي) التي وكما كان يذكر لي دائماً  في آخر أيامه كل ما أتحفنا بزياراته المفاجئة بـ(قسم المنوعات)، أنه يعيش أجمل أيام  عمره العملي بصحيفة (المجهر) وكان مبسوطاً آخر انبساط بتوسيع دائرة تواصله مع القراء على امتداد  انتشار (عين الشعب). وكنت أشعر بالسعادة تشرق من جبينه كلما فضحته أحاسيسه  تجاه أسرة (المجهر)، مجلس إدارة ومحررين وموظفين وعاملين وأما نحن فكانت السعادة لا تسعنا بـ(سعدنا)  كلما وجدناه بيننا بكل هيبته وتواضعه، يمتعنا بمؤانسته الشفيفة وحكاياه الظريفة وكان لا يخرج من عندنا إلا بعد أن يخصنا بنصيب وافر من الأفكار والأخبار الصحفية .
{ مرت سنة على الغياب ولكن عزاءنا أنه خلد نفسه
 بين سطور كتابات الصحفية ومفردات مقاطع أشعاره الغنائية (العزيزة) (عن حبيبتي بقول لكم) و(نتفق أو نختلف)  (نهر العسل ) (أبوي يا فارس الحوبة) (هموم الحصار) وفي رواياته (حكاية من حلتنا) و(باب  السنط) (في بلاط صاحبة الجلالة) وفي غيرها من الكتابات.

  

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية