نعم.. حل مؤقت
لم تدع الحكومة المركزية أو الولائية في الأبيض عاصمة إقليم كردفان بأن حفر الآبار العميقة وتجميع المياه في خزانات كبيرة ثم إعادة ضخها هو الحل الأمثل لمشكلة مياه مدينة الأبيض، لكنه الحل المتاح والممكن حالياً لعلاج قضية نقص المياه في الأبيض وبقية مدن كردفان المهددة بالزوال من الوجود في المائة عام القادمة إذا لم تتفتق عبقرية العقل السوداني عن حل يقضي على مشكلة العطش في البلاد.. وقد بات الاعتماد على المياه التي تهبط من السماء- أي الأمطار- مخاطرة كبيرة في ظل تنامي ظاهرة (إل نينيو) الحالية حيث تتناقص معدلات الأمطار سنوياً ويتمدد الزحف الصحراوي جنوباً بسرعة مذهلة، ويتعرى الغطاء النباتي وتقف وزارة الزراعة والغابات عاجزة عن إيقاف التدهور البيئي، وقطع الأشجار لأن الحكومة هي من يقطع الشجرة ويحصد عائداته فحماً.
الأستاذ “أشرف عبد العزيز” الشهير بـ(دوشكا) أثار في زاويته “الصباح الجديد” قضية مياه مدينة الأبيض ومعاناة المواطنين في الحصول على حاجتهم من المياه.. وتعثر تنفيذ شبكة مياه الأبيض التي تنفذها حكومة “هارون”، وذهب “أشرف دوشكا” برؤية المشفق لا الشامت إلى أن مواطني الأبيض قد تسرب إلى نفوسهم الملل ولم يقل الضيق بسبب تطاول أمد اكتمال مشروعات النهضة.. ومن بينها بالطبع حل مشكلة مياه الأبيض، وإذا كانت عبقرية الحل المؤقت قد اتجهت لحفر عدد كبير من الآبار في منطقة بارا، فهي خيار من لا خيار له.. وتكلفة تشغيل محطات المياه والضخ باهظة جداً، وحوض بارا حسب الدراسات التي أجراها الكرواتيين منذ نهايات ثمانينيات القرن الماضي يغطي احتياجات مدينة الأبيض لمدة (25) سنة فقط.. بعدها يمكن أن ينضب الحوض الذي تغذيه الأودية والخيران ولا يرتبط بحوض نهر النيل ولا حوض البقارة في دارفور ولا حوض السليم.. ومن هنا، فإن الجهد الذي بذلته حكومات شمال كردفان المتعاقبة وحكومة مولانا “أحمد هارون” لتوفير المياه من حوض بارا الجوفي تعدّ مقبولة جداً كحل مؤقت في انتظار موافقة الحكومة المركزية على مشروع مد مياه النيل من كوستي غرباً لتطوير الزراعة من جهة وتغطية احتياجات الإنسان، ويعدّ بالتعريف الدولي كردفان من تندلتي وحتى عيال بخيت شمال النهود جزءاً من ضفاف النيل، ولا تملك دول اتفاقيات حوض النيل رفض ذلك، خاصة وحصة السودان من اتفاقية مياه النيل لم تستهلك بعد، لكن هذا الخيار وجد الرفض من قبل الحكومة المركزية حينما تم طرحه كحل دائم لمشكلات نقص المياه في كردفان وتكلفة المشروع أقل من تكلفة حفر مزيد من الآبار أو زيادة السعة التخزينية للمصادر الجنوبية وهي مياه الأمطار.
والقول إن المواطنين أصابهم شيء من الملل، فهذا نصف الحقيقة وليس الحقيقة كلها.. لأن مولانا “أحمد هارون” حينما عين في منصب الوالي اختار مخاطبة قضايا المواطنين ولم يأت لحل مشكلات النخبة المتنفذة من الإسلاميين الذين يهاجمون الرجل لاهتماماته بالرياضة والثقافة، وكثير من هؤلاء يريدون والياً تحركه (ديناصورات) الإسلاميين القابعة في مؤسسات التنظيم دون عطاء، يأكلون لحم الناس بالتصنيفات الأرشيفية، ولم يعر مولانا “هارون” هؤلاء التفاتة ونفذ مباشرة لحل قضايا المواطنين وفتح نوافذ السلطة لكل ساحب عطاء وموهبة، متجاوزاً أهل الولاء وما يعرف بـ(العصبة الداعية).. ومشروعات النفير بعضها لا يزال في مرحلة التأسيس، لأن حاجة الناس كبيرة والمال شحيح، وعائدات تبرعات الأهالي لم تذهب لدعم هلال التبلدي كما يقول القاعدون في الطرقات يتسقطون الخطايا والأخبار.. بل ذهبت حيث يفترض أن تذهب.