استشاري نفسي: الوزير (المعفي) يحتاج للبكاء والابتعاد عن الشامتين!
الحكومة الجديدة.. (سهر السياسيين ولا نومهم)
انتعاش سوق الدجالين والوداعيات وأطفال الإعلام
تقرير- أمير الشعراني
ربما تأسياً بنظرة الشاعر الساخر “بيرم التونسي” (لمجالس الحكومة) حيث كتب قصيدته الشهيرة في المجلس البلدي وقال: (قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكَمَدِ.. هوى حبيبٍ يُسَمّى المجلس البلدي.. أمشي وأكتمُ أنفاسي مخافة أنْ.. يعدّهـا عاملٌ للمجلسِ البلـدي.. ما شَردَ النومَ عن جفني القريحِ سوى.. طيف الخيالِ خيال المجلسِ البلدي.. إذا الرغيفُ أتى، فالنصف آكُلُهُ.. والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي)!
ربما تأسياً بنظرة الشاعر، تهمس مجالس الخرطوم السياسية والاجتماعية، بتدهور الحالة النفسية لمسؤول دولة كثير التسفار، دخل في نوبة توتر وترقب شديدة، في انتظار التشكيل الوزاري لحكومة الحوار الوطني (عريضة المنكبين).
وقال مقربون من الوزير، إن الرجل ظل طوال اليومين الماضيين وحتى مثول الصحيفة للطبع، يرد على المكالمات الواردة لهاتفه (الآيفون6) بغضب وزهد، خوفاً من ضياع مكالمة مهمة ينتظرها بشوق، و(أضان حاله) يقول: (أنا حارس التلفون لو مرّة جرسو يرن)!
من جهتها رصدت مصادرنا، اتصال الوزير على نافذين في الحزب الذي بعثه مندوباً في (مجلس بيرم التونسي) للاطمئنان على أن هاتفه مسجل لديهم، وأرسل رسالة شكر وامتنان من حسابه بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لوزراء وقيادات عليا بالدولة، شكرهم فيها على ثقتهم الغالية، مؤكداً أن كل ما تحقق من إنجازات عظيمة، كان بفضل متابعتهم وخططهم الإستراتيجية، ودعواتهم الصالحات.
وختم الوزير رسالته، بتجديد الولاء والطاعة والاستعداد لخدمة (الوطن والمواطن)، في أية وزارة أو هيئة عامة، وبالعدم سفارة أوروبية، (ما بطالة معاهو)!
انطبقت الحالة النفسية الحرجة للمسؤول (الشفقان)، على (جرسة) الزوجة الجديدة لوزير ولائي نصف شهير، يممّت وجهها شطر ولاية سنار بحثاً عن فكي (كارب) بمنطقة (مايرنو) يضمن لزوجها مقعداً في الحكومة الجديدة!
وعلى ذمة الراوي، فإن أكثر ما يؤلم زوجة الوزير (الفارعة) لسان ضرتها السليط التي وصفتها يوم زفافها بـ(الكُج وأم كراعاً ناشفة)، ورمت زوجها الفرحان، بنظرة بائسة ووعدته بالفقر والمسغبة وفقدان (سوائل السلطة والجاه).
علمياً، أرجع اختصاصي الطب النفسي الدكتور “نصر الدين أحمد إدريس”، تدهور الحالة النفسية للسياسيين إبان التعديلات الوزارية، لأسباب ثلاثة. الأول: أن بعض الوزراء لا يأتي لكرسي الوزارة من وظائف عامة أو خاصة، بل تأتي بهم الترضيات السياسية. والسبب الثاني، يتعلق بالفهم الخاطئ للوظائف السياسية، فالعمل السياسي طبيعته (تطوعية)، وليس وظيفة يعتمد عليها الشخص للعيش. والسبب الثالث، للمعالجات والترضيات التي تتم للوزراء المعفيين.
وقال الدكتور “نصر الدين” إن هذه الأسباب مجتمعة تشكل ضغوطاً نفسية مركّبة، وتحدياً نفسياً يواجه الوزراء الذين سيتمّ إعفاؤهم في التعامل مع الواقع الجديد.
وحسب اختصاصي الطب النفسي، البروفيسور “علي بلدو”، فإن الإقالة والمعاش والتقاعد، والتغييرات الوزارية التي يمكن أن تؤدي بالبعض إلى خارج منظومة الحكم، ورغم أنها من سنّة الحياة وتواصل الأجيال، نجد أن التكوين النفسي لوزرائنا (هش)، ويفتقدون، لدرجة كبيرة، فنيات وأبجديات التعامل مع السلطة والجاه، عندما كانوا فيها وعندما يقترب زوالها، وعندما (تزول حقاً).
وأكد “بلدو” أن نبأ الإقالة يعدّ من أصعب الصدمات النفسية، خاصة في بلاد مثل السودان، يتشبث فيها الوزراء بالاستوزار زمناً طويلاً، وقبل حدوث هذه الإقالة، يحدث ما يسمى بـ(الحيل النفسية)، أو محاولة استباق أو وقف هذه الإقالة، وتندرج في هذه الظاهرة العديد من الظواهر الأخرى، مثل اللجوء إلى الله والتضرع خفيةً وسمعاً، وبذل النذور والاستعانة بالقوى السحرية و(ستات الودع)، وضاربي الرمل وحارقي البخور، والدجالين وبعض (أطفال الإعلام)، الذين يشتعل سوقهم في مثل هذه الأيام.
وقال البروفيسور “بلدو” إن الوزراء الذين يتوقعون الإعفاء والراغبين في الوزارة، يعيشون حالة من التوتر والقلق الشديدين، ويصبحون نهباً للشائعات، ويحرصون على متابعة نشرات الأخبار والإطلاع على الصحف، وينطبق عليهم قول الراحل “مصطفى سيد أحمد”: (راجي منك بس إشارة.. كلمة تديني البشارة)!
وعن مرحلة ما بعد الإقالة، قال البروفيسور “علي بلدو”: (إن الوزير المُقال يمر بخمس مراحل نفسية. أولها: الإنكار، ثم مرحلة المفاوضات، التي يستعين فيها بالعشيرة والأهل والأجاويد، وتلي ذلك مرحلة الصدمة النفسية الحادة، ويكون لدى الوزير رغبة في النواح والبكاء والعصبية الحادة. وهذه المرحلة خطيرة، لأن الوزير “بيكون ما فارقة معاهو”، ويمكن أن يبوح بأسرار تمس الدولة وأمنها القومي، ويكون شعاره في هذه المرحلة قول أبي فراس الحمداني: “معللتي بالوصلِ والموتُ دونهُ.. إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ”)، وهنا ينصح “بلدو” بحفظ الوزير بعيداً عن متناول الإعلام، خاصة أطفال الصحافة الذين لا يجيدون استخدام (الجرعات)! والمرحلة الرابعة كما يقول “بلدو”، هي مرحلة الكآبة، وقد تمتد لشهور، يلجأ خلالها الوزير إلى السفر خارج البلاد، ليبعد عن (الشماتة والتشفي). وفي هذه المرحلة، يشعر بظلم ذوي القربى والأبعدين على (كرسي سواء)! والمرحلة الخامسة والأخيرة، هي الاستبصار والقناعة والرضا بالمقسوم والبحث عن عمل آخر، مثله مثل خلق الله من العطالى، وإن كان (يتاوره) الحنين إلى ما مضى من أيام زاهرات في مقعد الوزير الوثير الذي كان. وحذر البروفيسور “علي بلدو”، من ما وصفه بـ(إدمان الاستوزار)، وهو نوع جديد من المرض السياسي، ظهر في سنوات السودان الأخيرة، يصيب الشخص بـ(القرْيَفَة) للوزارة.
وختم استشاري الطب النفسي قوله إن هؤلاء يمكن معالجتهم سلوكياً ونفسياً، وخير بلسم لهم التفكير بالمأثرة الشهيرة: (لو دامت لغيرك، لما آلت إليك).. وإياك أعني فاسمعي يا وزارة!