رأي

بعد ومسافة

“كمال عمر” المدافع عن الحريات.. المقاوم للتسلط!!
مصطفى أبو العزائم
لو كتبت أنني لم أفاجأ بموقف أخي وصديقي الأستاذ “كمال عمر عبد السلام” الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، لكنت من الكاذبين، فقد كانت المفاجأة كبيرة وغير متوقعة، إذ كيف يتقدم الأستاذ “كمال عمر” باستقالته من منصب الأمين السياسي لحزبه الذي تحمَّل في سبيل بقائه ما تحمل من عنت ومصادمات مع السلطة، ومواجهات كان يعرف أنها لا تقود إلا إلى بوابة “كوبر” تحت ظلال معارضة أخوان الصفاء القديم، والود القائم على منهج التجديد في الفكر الإسلامي، الذي تبناه وأسس له زعيم الحداثة الفكرية الشيخ الدكتور “حسن عبد الله الترابي”، الذي أسس لنفسه مع برنامجه الفكري مجموعة من الخصوم الذين تربصوا له ولفكرته في أكثر من طريق، تارة باسم الخروج عن الملة وتارة باسم الأطماع غير المحدودة في مقاعد السلطة، ودفع ثمناً باهظاً لتلك المواقف، وكان ابنه المقرَّب وتلميذه النجيب “كمال عمر” ممن يساهمون دائماً ويشاركون في دفع الثمن، رغم أن هناك من تخلصوا من الولاء وتملصوا من الانتماء، وبعضهم هجا الشيخ ومن بقى معه، وكانوا قلة أمام شباب ثائر عنيد، وأمام شيوخ رأوا أن ارتباطهم التاريخي بالشيخ “حسن الترابي” يحتم عليهم الالتفاف حوله، والبقاء معه، خلال محنة المفاصلة الكبرى قبل نحو (17) عاماً من الآن.
الأستاذ “كمال عمر” ظل على موقفه تماماً، كان إلى جانب الشيخ الدكتور “حسن الترابي” لم ينجذب لبريق السلطة ولا تجارة أو مال عن أهدافه التي حددها لنفسه، بل ظل قابضاً على جمر الالتزام في وقت (تفكك) كثيرون وتحللوا من أي التزام فآثروا البقاء تحت ظل السلطة (البارد) بعيداً عن هجير المعارضة الحارق، لذلك عرفه أصدقاؤه وخصومه معاً إنه من الصادقين.
قبل التقارب الأخير بين المؤتمر (الوطني الحاكم) و(الشعبي المعارض) كانت قد بدأت لقاءات سرية لم يتم الكشف عنها في حينها، مهدت لهذا التقارب، وكنت بحكم عملي الصحفي على علم بتلك اللقاءات التي بدأت بين القيادات العليا في المؤسستين الحزبيتين، وكنت وقتها أرأس تحرير صحيفة (آخر لحظة)، وحدث أن تم نشر خبر عن لقاء تم بين قيادات رفيعة، إلا أن قيادات الشعبي نفت هذا الأمر، فاتصلت بالأخ الأستاذ “كمال عمر” هاتفياً ونقلت له أن معلوماتنا صحيحة، وأن اللقاء تم بين “زيد” و”عبيد” في اليوم الفلاني في منزل فلان.
ضحك الأستاذ “كمال عمر” وقال لي: إن ذلك صحيح، وأن معلوماتي كلها صحيحة/ لكن النشر في هذا الوقت سيضر بمشروع وطني كبير قادم، وقد يوقف هذا النزف الخطير في الموارد البشرية والطبيعية.
بعد أيام التقى الرئيس “البشير” بالشيخ “حسن الترابي” تتويجاً لتلك اللقاءات التي مهدت للمصالحة التاريخية بعد المفاصلة التي وقعت بين مكونات بالسلطة نهايات العام 1999م، وقد كنت قريباً جداً من مسرح الأحداث، وقابلت تقريباً كل الأطراف، وأجريت حواراً مثيراً في تلك الأيام مع السيد الرئيس “عمر حسن أحمد البشير”، كشف فيه الكثير والمثير من أسباب المفاصلة، ونشرته في صحيفة (الوطن) الغراء التي شغلت موقع نائب رئيس تحريرها أستاذنا وأستاذ الأجيال الراحل سيد أحمد خليفة، وكان لذلك الحوار أصداء وقد تناقلته صحف الداخل والخارج وعلقت عليه.
علمت باللقاء الذي تم بين الرجلين الرئيس “البشير” والراحل الدكتور “حسن الترابي”، فأجريت اتصالاً هاتفياً بالأخ الأستاذ “كمال عمر” وسألته عن تفاصيل ما جرى  فأكد لي حدوث اللقاء وقدم لي  – مشكوراً – تنويراً عما دار فيه، وطلب إلىّ عدم الإشارة إلى ذلك اللقاء، لأن ذلك قد يفشل كل تقارب محتمل.. وقدم أسبابه ومبرراته التي أقنعتني، فأحجمنا عن النشر رغم ما كان سيحققه من انتشار للصحيفة صبيحة يوم نشره، خاصة وأنه كان سيكون خبراً خاصاً.
حدث ما توقعناه، وتقاربت الرؤى والأفكار وأطلق السيد رئيس الجمهورية مبادرته الجريئة الخاصة بالحوار الوطني، وكان الشعبي وفي مقدمته أمينه العام الشيخ الدكتور “حسن الترابي” من أوائل مسانديه، بل أنه  – رحمه الله – جذب آخرين إليه لتحقيق الهدف الوطني الأسمى بصدور وثيقة وطنية تتواضع عليها كل الأحزاب والقوى السياسية.
التقيت بالأخ الكريم الأستاذ “كمال عمر” داخل قاعات المحاكم كثيراً، وكنت كثير المثول أمام المحاكم في قضايا النشر الصحفي، فلم يكن “كمال” السياسي، ولم يكن ببعيد عن “كمال” الإنسان، ظل في كل الأحوال هو ذلك الرجل الذي يساند ما يرى أنه حق، مدافعاً عن الحريات مقاوم للتسلط الذي يراه من خلال مسطرة الحريات التي يمسك بها في يده/ لذلك كان أمر استقالته من منصبه كأمين سياسي لحزب المؤتمر الشعبي ورفضه المشاركة في البرلمان، مفاجأة غير سعيدة بالنسبة لي، وأحسب أنها مفاجأة غير سعيدة لكل من يعرف الرجل، حتى وإن كان السبب في ذلك خلافات لا نراها داخل حزب المؤتمر الشعبي.
من أجل هذا الوطن ولأجل روح الشيخ الذي رحل.. ندعو الأمين العام للمؤتمر الشعبي الأخ الكريم الدكتور “علي الحاج” وكبار الحزب وشيوخه، وندعو كمالاً نفسه إلى أن يدعو لجلسة تفاكر شورية يتم اتخاذ القرار من خلالها جماعياً حتى لا يتسبب طرف في إحراج طرف آخر.. بلادنا تحتاج إلينا كلنا من دون تضييق أو تخويف أو تخوين.. تحتاجنا من اليمين إلى اليسار.. فلا تغلقوا الأبواب أمام الحادبين.. و”كمال” منهم.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية