ما قبل التشكيل
{ لم يحظَ تشكيل حكومي في تاريخ السودان بهذا الاهتمام والمتابعة من قبل النخب وعامة الناس مثلما يحدث اليوم.. وذلك لعدة أسباب أولها الرغبة في التغيير، رغم أن الحكومة الحالية حديثة عهد ولم يمضِ على تشكيلها إلا عامان ونصف ولا يزال بعض وزرائها لم يقدموا أنفسهم للناس.. ليأتي سيل الحوار الوطني ويهدد وزراء المؤتمر الوطني بصفة خاصة بالرحيل عن مواقعهم بينما حلفاء الوطني أكثر اطمئناناً لبقائهم في مواقعهم أو تبديلهم بأخرى وهؤلاء غير خاضعين لمعايير الكفاءة والأداء.. ووزراء مثل د.”أحمد بابكر نهار” والأمير “حمد سعد عمر” ود. “أحمد بلال عثمان” ود.”تابيتا بطرس” (ضامنين) كراسي الحكم، بينما وزراء الوطني ممن حمل بعضهم السلاح وسهر الليالي وظل يقدم فروض الولاء والطاعة العمياء للقيادة مهدد بفقدان وظيفته وتلك من مفارقات السياسة وعجائبها في هذا البلد.
آفي الأسبوع الماضي اتصلت هاتفياً بأحد أفراد عشيرتي في قرية البجعاية الواقعة شرق كادقلي من عرب البدو الرواوقة وهو مفجوع في مقتل أحد أبنائه من قبل الحركة الشعبية التي هاجمت المنطقة وبعد أن تحدث بمرارة شديدة عن فقدان فلذات كبده.. وطلب مني تعزية والدة الشهيد الصابرة على جراحها.. سألني عن موعد تشكيل الحكومة ولماذا تأخرت.. لم يقتنع الرجل بتبريرات من شاكلة أن عدد الأحزاب الكبير والمعروض من الوزارات قليل ولكن سألته أنت راعي في بادية الحوازمة وليس لديك ابن عم مرشح لمنصب وزير.. ماذا تريد من الحكومة؟؟ قال نحن هنا لا نصيب لنا في حكومة الخرطوم.. ولا نتطلع لذلك.. ولا فائدة نرجوها من شخص بعينه.. حتى “البشير” الذي كان قريباً إلى قلوبنا ومحبباً لنا.. ما عاد يزورنا في البادية ولا يتحدث إلينا.. لكن واقعنا لا حرب ولا سلام.. لا تنمية ولا خدمات.. وربما تأتي حكومة جديدة تشعر بأوجاعنا.. وسمعنا عن تحسن العلاقات مع الخليج والأمريكان ربما ساهم هؤلاء في إقناع حكومتنا والحركة الشعبية بأن خيار السلام لصالح أمثالنا..
{انتهت المكالمة.. وأمام صرافة الهجرة وسط السوق العربي التقيت أستاذي في المرحلة الثانوية “محمد عثمان الطيب” من أبناء مروي لا يزال في نضارته وبهائه ونحافة جسده وعطره الفواح.. وحديثه الرطب.. سألني متى يعلنون حكومة الوفاق الوطني؟؟ سألته هروباً من الإجابة وبعض الناس يظنون في الصحافيين المعرفة بدقائق الأمور، وإذا كان الأمر كذلك فيما مضى فإن الجنرال “بكري” قد أحاط تشكيل الحكومة بسياج من السرية حتى أقرب مساعديه في الحكومة لا يعرفون عنها شيئاً في الوقت الراهن.. قلت لأستاذي وماذا تنتظر من الحكومة.. فقال لا شيء والله لكني أحلم بأن يصبح الإنسان في وطنه كريماً.. لا يقهره سلطان ولا يبطش بالمساكين باطش.. وأن تعيد الحكومة الجديدة النظر في السياسات التعليمية مناهج.. وهياكل.. لأن واقع التعليم في بلادنا ينحدر كل يوم إلى أسفل. وما بين طموحات الرعاة والمعلمين فإن المنتظر من حكومة الوفاق الوطني تغيير الواقع البائس.. وشحن بطارية الشعب بقليل من الأمل.. وليت الحكومة الجديدة اتخذت لنفسها شعاراً بالأمل نبني الوطن.. وأفيون الشعب القاتل هو الإحباط وضعف الهمم والشعور بالفشل.. وحتى يشعر الناس بأن التغيير حقيقي فليبدأ الفريق “بكري حسن صالح”، ببث الأمل في نفوس الناس بخطاب متفائل لا خطاب مثل سائر خطابات الحكومات اليائسة المحبطة.