قوات الدعم السريع .. القومية وافاق المستقبل
– قوات الدعم السريع القومية تعيد قراءة تاريخ السودان في الانتصارات
د. حسن محمد حماد إدريس
مرت بالسودان أحداث ومواقف لا تخطئها الذاكرة أو العين، ولا بد من الوقوف عندها وقراءتها بصورة متأنية، ومن هذه الأحداث والمواقف الدور البطولي والتاريخي الذي لعبته قوات الدعم السريع القومية بالانتصارات الباهرة التي حققتها في كل المعارك والأصعدة التي خاضتها في قوز دنقو بجنوب دارفور والنيل الأزرق، وكردفان والشمالية والصحراء.
حسمت قوات الدعم السريع في هذه المعارك عصابات الاتجار بالبشر وحررت الرهائن في الصحراء وضربت أوكارها بلا هوادة، وتعد هذه الانتصارات تتويجاً وإضافة حقيقية لمسيرة القوات المسلحة والقوات النظامية في السودان في سجلها الناصع في الاستبسال من أجل حفظ الأرض والعرض والدولة.
واصلت قوات الدعم السريع مسيرة هذه الانتصارات بجدارة وبسالة غير مسبوقة، تضيف فيها كل ما دخلت في معركة من المعارك نصراً جديداً للقوات المسلحة، متى ما أوكلت لها مهمة من المهام في نطاق مسؤوليتها واختصاصها وتكوينها بقيادة الفريق “حميدتي” القائد العام لقوات الدعم السريع القومية.
{ التاريخ يعيد نفسه
يقال إن التاريخ يعيد نفسه، هذه المقولة أصبحت متواترة بين الناس في كل مكان وزمان على مر حقب التاريخ في السودان، وباسترجاعنا للذاكرة نجد أن الثورات التي انتظمت البلاد في الماضي تشكلت بصورة قومية أو بأخرى من كل مكونات السودان الأثنية والاجتماعية تعبيراً عن تنوعه الثقافي والجغرافي والديني.
وثورة المهدية خير تعبير أو شاهد على هذا التنوع، فهي دولة قامت على تنوع أهل السودان أشبه بدولة المدينة، مضموناً وحكماً ورسالة، لأنها قامت على ركائز الحكم الرشيد الذي يرتكز على الدين والعدل والجهاد في سبيل الله والوطن.
كما أن دولة المهدية اعتمدت على كل أبناء السودان في تكوينها وإدارتها، استعان فيها الإمام “المهدي” عليه السلام، بكل أبناء السودان، واتجه الإمام رحمه الله ،غرباً للبحث عن المجاهدين والمقاتلين مع بقية أجزاء الوطن لإحداث هذه الثورة ولتأسيس دولة قوية تقوم على الدين وتبني قواعد الحكم فيها، على قوات قومية يشبه تكوينها تكوين قوات الدعم السريع القومية اليوم، دون غلبة فيها لجهة أو فئة أو قبيلة بقيادة الفريق “حميدتي”، فوجد الإمام “المهدي” رحمه الله، ضالته في الخليفة الزاهد الورع التقي “عبد الله” رحمه الله – الذي خلف الإمام “المهدي” عليه السلام، بعد وفاته وأسس دولة المهدية، وأرسى قواعد حكمها وبنى جيشها ودولتها.
فالإمام “المهدي” هو قائد الثورة المهدية بلا شك، ولكن الخليفة “عبد الله” رحمه الله، هو مؤسس دولة المهدية التي استمرت حوالي ستة عشر عاماً في حكم السودان، وهي الدولة التي وحدت أهل السودان وجمعت صفهم وكلمتهم وأزالت الفوارق الأثنية بينهم، وأهم من ذلك أثبت أنه إذا كان الشمال الجغرافي ينتج المفكرين والإداريين كما قال البروفيسور العالم “عبد الله أحمد عبد الله” والي الولاية الشمالية في عهد الرئيس الراحل “نميري” رحمه الله – في ندوة شهيرة ومحضورة في جامعة الخرطوم، حول تجربة الحكم الإقليمي في السودان آنذاك، فهناك جهات أخرى في السودان تقدم المجاهدين والمقاتلين الذين يحمون تراب هذا الوطن وهذه إحدى ميزات هذا الوطن العظيم السودان، في تنوعه وجهاته، فاتجاه الإمام “المهدي” إلى غرب السودان للاستعانة بالخليفة “عبد الله” لمكانته الدينية والاجتماعية لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة نظرة متأنية وثاقبة ومعرفة حقيقية لأهل السودان.. وهذه النظرة لها وجه شبه، واختيار الرئيس “عمر البشير” لقوات الدعم السريع القومية في تكليفها وتكوينها وتحديد نطاق مسؤوليتها لدحر حركات التمرد والتفلت وحسمها في كل أنحاء السودان جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة، فالذين نصروا دولة المهدية في كرري وشيكان وأم دبيكرات وأم درمان، هم أجداد جاءت من أصلابهم جنودنا في القوات المسلحة والقوات النظامية كلها.
وكذلك هم أجداد وآباء المقاتلين البواسل في قوات الدعم السريع القومية والتي ولدت بأنيابها، والتي وفرت على هذا الوطن جهداً كبيراً في حماية أرضه وعرضه ودولته، وكفته العار، ودكت حصون المعتدين التي أعجزت حكومات متعاقبة على حكم السودان، أن تدكها، فمعركة قوز دنقو بجنوب دارفور، ومعارك جنوب كردفان والنيل الأزرق وشمال كردفان والشمالية والصحراء، كلها دليل على قوة وكفاءة وبسالة قوات الدعم السريع القومية التي لا تعرف التردد في تنفيذ مهامها، وهذه المعارك التي خاضتها قوات الدعم السريع بقيادة الفريق “حميدتي” لا تقل ضراوة وأهمية من المعارك التي وقعت من قبل في أم دبيكرات وشيكان وكرري.
فأخرست قوات الدعم السريع بهذا الانتصار الألسن وأسكتت المرجفين وأكدت أن القوات المسلحة السودانية تتجدد أجيالها وأدوارها القتالية ودماؤها جيلاً بعد جيل، ممثلة في قوات الدعم السريع قائداً وقوات، فليس غريباً كما قلت أن يتكرر التاريخ وأن يعيد نفسه عبر هذه القوات القومية في هذه المرحلة المهمة من عمر السودان المديد.
{ التخطيط السليم
كيف لا، وعلى قمة التنسيق قائد قوات الدعم السريع آنذاك الفريق أول ركن “محمد عطا المولى” مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات، هذا الرجل الذي عرفته كل الدوائر بالهدوء والدقة والتخطيط السليم والمتابعة اللصيقة والمثابرة والهمة العالية، والجرأة والشجاعة والحنكة، والعدالة والأمانة والثبات والثقة في الله وفي النفس وبكل ما تحمل هذه الجهات من معاني وأكثر، بالإضافة إلى تجربته الطويلة الممتازة التي تنم عن خبرة تراكمية تجعل منه خبيراً متفرداً في شؤون الأمن والسلام في الأوساط العالمية والدولية والإقليمية في شؤون الأمن في السلم والحرب، فهو يعرف متى يبدأ ومتى يطلق السهم من كنانته نحو الهدف ولمن يعطيها، فهو خبير الإستراتيجية الأمنية بلا منازع، التي تتجاوز الرتب إلى المعرفة والدراية بالعمليات العسكرية ولن أزيد!!
قلت هذا من واقع الكلمة التي ألقاها الفريق “عطا” في حفل تكريم قوات الدعم السريع بميدان مباني جهاز الأمن الوطني بالخرطوم، بمناسبة انتصارها التاريخي على التمرد في معركة قوز دنقو بولاية جنوب دارفور، بقيادة الفريق “محمد حمدان موسى دقلو” (حميدتي)، وسرد الفريق الركن “محمد عطا” في كلمته سير هذه القوات في تلك المعركة بعد أن وضع قائدها الفريق “حميدتي” لها خطة محكمة مكنتها من الوصول إلى منطقة الهدف في (النخارة) بقوز دنقو، بجنوب دارفور، وهو معها متابعاً ومنسقاً لكل الأدوار والجهود لحظة بلحظة، حتى قضت قوات الدعم السريع على حركة العدل والمساواة في معركة فاصلة ونهائية في أقل من نصف ساعة من الزمن في 27/4/2015م، والتي وصفها الجنرال الأمريكي “جيمي غوردون” من الخبراء العسكريين المتخصصين في شؤون الأمن والدفاع لمنطقة شرق وجنوب المحيط الهادي، أن معركة قوز دنقو بولاية جنوب دارفور كانت بمثابة الامتحان العسير لقوات الدعم السريع الذي أثبتت فيه كفاءة عالية في مواجهة الأساليب القتالية لحرب العصابات (التمرد)، وهي أقرب إلى حرب الطائرات بدون طيار التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في حربها الحديثة ضد الإرهاب في العالم، والفضل ما شهد به الأعداء.
{ قوز دنقو
لا يتصور كثير من المراقبين والمتابعين لموقعة قوز دنقو، طبيعة هذا القوز الذي حققت فيه قوات الدعم السريع معجزة العصر، والنصر المبين على التمرد وقضت عليه تماماً في لحظات.
منطقة قوز دنقو ليست كسائر المناطق في جنوب دارفور، فهي منطقة وعرة جداً وبها غابات كثيفة شوكية والأعشاب بكل أنواعها، وهي منطقة شبه صخرية ينعدم فيها الماء في الصيف إلا في بعض (الدحول) والسرف وقليل ما هي، فهي أرض أشبه بأحراش الجنوب الاستوائية، وتشبه إلى حد بعيد أرض كوبا وشيكاغو من حيث (الوعورة) والأحراش، وأغلب نباتاتها شجر (الكداد)، وهي تقع في منطقة السافنا الغنية في الجزء الجنوبي لولاية جنوب دارفور بمحلية الردوم.
يمتد في هذه المنطقة قوز دنقو الذي يعد أخصب منطقة للمرعى الطبيعي في السودان.. ويقع في مساحة شاسعة يعبرها الرحل في مشقة وعناء في رحلتي الخريف والصيف (البروية)، ولطبيعة قوز دنقو التي ذكرتها، قصدتها حركة العدل والمساواة لتحتمي بها وليدخل التمرد عبر قوز دنقو سفوح جبل مرة الحصينة، وهو نفس الطريق الذي سلكه “بولاد” في عام 1991م، فارتكبت حركة العدل والمساواة نفس الخطأ الذي وقعت فيه قوات “بولاد” تحت قبضة فرسان تلك المناطق.
} معجزة العصر في تاريخ الحرب
فباغتتهم هناك قوات الدعم السريع المقاتلة الشرسة وحسمت المعركة في أقل من نصف ساعة من الزمن، وهي معجزة العصر في تاريخ المعارك العسكرية، مما أذهل المراقبين وخبراء الحرب والمحللين العسكريين في العالم وأدخلهم في حيرة وأصبحت معركة قوز دنقو مدعاة لقراءة التاريخ وعبرة في السودان.
قامت قوات الدعم السريع بهذا الدور في بطولة لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً، في أن تواجه هذه القوات رغم حداثة تكوينها وتدريبها، المتمردين الذين تلقوا تدريباً عالمياً على أيدي خبراء عسكريين متخصصين في إدارة المعارك في الحرب، وراهنوا على تدمير أي قوة عسكرية تواجههم في دارفور، فانهزموا في دنقو شر هزيمة حينما اشتبكت معهم وفاجأتهم قوات الدعم السريع في النخارة بقوز دنقو جنوب دارفور، بالانتصار الكبير عليهم، وكشفت معركة قوز دنقو وكل المعارك التي خاضتها قوات الدعم السريع مهارة وقوة شكيمة وصبر وشجاعة المقاتلين في قوات الدعم السريع القومية، والتي استطاعت تدمير أكبر قوة أعدتها حركة العدل والمساواة في تاريخها ولقنتها دروساً مريرة وقاسية في معركة قوز دنقو التاريخية.
تبقى الحقيقة المجردة والدروس والعبر المستفادة من معركة قوز دنقو وغيرها من المعارك التي خاضتها قوات الدعم السريع الباسلة، أن هذه الانتصارات في كل هذه المعارك والتي حققتها وصنعتها قوات الدعم السريع، فتحت الباب واسعاً للباحثين والدارسين والخبراء في العلوم العسكرية والعمليات لاستنباط العبر وأتاحت الفرصة أيضاً للتحليل والبحث العلمي العسكري، وهنا نقول التاريخ يتجدد والتاريخ عبر والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون بميلاد قوات الدعم السريع القومية، وفي تاريخ جيشنا المعاصر في السودان إضافة وسنداً وعضداً لقواتنا المسلحة وجهاز الأمن الوطني والمخابرات والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.. وبالله التوفيق.
نواصل