مسالة مستعجلة
يحيا العدل
نجل الدين ادم
كنت حريصاً على متابعة القضية التي دفع بها الطبيب “عبد العظيم حسن” ضد اثنين من كبار الموظفين بوزارة الصحة بولاية الخرطوم، وهما مدير المؤسسات العلاجية ومدير المستشفيات، لإشانة سمعته واستخدام النفوذ، وإيقاع عقوبات عليه وتفتيش عيادته الخاصة واتهامه بتجاوز المؤسسة ووقفه عن العمل.
أهمية الخبر تكمن في أن القضية هي قضية رأي عام، الشاكي فيها طبيب والمشكو ضدهما موظفان كبيران تحت مظلة وزارة الصحة بالخرطوم التي يتبعان لها.
أمس وبعد مراحل تقاضي متواصل قضى قاضي المحكمة مولانا “حسان” بعقبة السجن للموظفين الكبيرين بذات التهم التي دفع بها الشاكي وهي استخدام النفوذ وإشانة السمعة، وذلك بسجنهما عامين ونص مع الغرامة. وحسب حيثيات القرار الذي توصل إليه القاضي فإن أضراراً بالغة وقعت على الشاكي الذي اختار ساحة القضاء لتكون الفيصل، وبالفعل كان القرار لصالحه.
الكثيرون شككوا في أن تبلغ القضية حتى نهايتها من واقع أن المتهمين يمثلان وجهة سلطة تنفيذية، وأن تكون هناك تدخلات وتسويات، لكن قاضي محكمة الموضوع بدد هذه المخاوف ومضى في النظر في حيثيات القضية دون الاعتبار لأي تدخلات سياسية أو حكومية.
واستخدام النفوذ يمثل هنا النقطة التي كثيراً ما تتعطل الإجراءات فيها، لذلك كان مكمن الاهتمام فيها، ليس شماتة في المحكومين ولكنها العبر تتجسد في الحكم.
والعدالة لا تتجزأ، ولكم أن تتمعنوا كم عدد العيادات والأطباء الذين وقع عليهم مثل هذه التجاوزات واكتفوا بالصمت! وكما أشرت أن العدالة لا تتجزأ، حتى لو كان الشاكي معارضاً، لأن الجميع هنا يلتقون في محطة الحقوق.
القاضي اختار أن تكون العقوبة مشددة لعظمة الجرم، وقد أمر بأن تبدأ عقوبة السجن من تاريخ القرار.
مثل هذه المحاكمات تكمن أهميتها في أنها تكون بمثابة ناقوس خطر لأي موظف عام يتخندق حول السلطة اعتقاداً منه أنها ستحميه، لأن الظلم ظلمات.
التحية لقضاتنا وهم يرسمون لنا يومياً هذه المواقف التي تجعل كل شخص يطمئن بأن القضاء في السودان بخير ولا مجال للاحتماء بحصانة أو سلطة طالما أن هناك متضرراً.
مبروك دكتور “عبد العظيم” على هذا الانتصار الذي يعني انتصاراً للعدالة وللحق، وألف كفارة للموظفين على إيقاع هذه العقوبة الرادعة.
أنا متأكد بأن حرص الشاكي على حقه يأتي من باب إرسال رسائل للآخرين وليس من باب الوصول إلى محطة الحكم القاسية هذه. دكتور “عبد العظيم” رسالتك قد وصلت وزيادة والمدانون قد وعوا الدرس، والعفو دائماً عند المقدرة، ومؤكد أن وراء هؤلاء أسر سيكونون هم الضحايا وليس المدانين، فلطالما أن القضية ورغم أن الحكم فيها ليست المحطة النهائية وهناك استئناف واستئناف، فإنني أقول لدكتور عبد العظيم “من عفا وأصلح فأجره على الله”، فدع أجرك على الله وأعفُ عنهما فإنه لن يضيع، لتخفف على أقل تقدير العقوبة التي وقعت على المدانين أعانهما الله وهو المستعان.