رأي

بعد ومسافة

مدارس بلا أسوار وبلا معلمين
مصطفى أبو العزائم

سألني مقدم البرامج، والمذيع التلفزيوني النابه الأستاذ “عمار أبو شيبة” ظهر (الاثنين) الماضي عن تعليق على رسوب تلاميذ مدرسة (أولاد يس) بمحلية جنوب الجزيرة رسوباً جماعياً.. دون أن ينجح منهم أحد، وذلك بعد أن تعثر الاتصال الهاتفي بداية الأمر في فقرة “محمد اليوم” ضمن برنامج (مانشيتات سودانية) وكان يومها زميلنا الكريم الأستاذ “عادل الشوية” والذي كان قد زار المدرسة المنكوبة وأعد تقريراً نشره في ذلك الصباح عن زيارته تلك والتي التقى خلالها بمدير المدرسة وبعدد من أولياء الأمور، ونقل واقعاً مأساوياً عن حال المنطقة و(الحلة) والمدرسة.

ذكرت لمقدم البرنامج أن المسؤولية أولاً وأخيراً ستقع على عاتق الحكومة، ثم تتنزل إلى المجتمع، وقلت نصاً إنني أعجب كيف يحدث مثل هذا الأمر، ولا يتقدم أحد من المسؤولين في الولاية باستقالته.. أو يقال! ما حدث هو فضيحة بكل المقاييس، فضيحة استحقت أن تكون بـ(البنط العريض) في الصحافة السودانية، تتصدر اهتمامات البرامج التلفزيونية المرتبطة، بحياة الناس ومعاشهم وأشكال نشاطهم المختلفة كافة.
نعم.. ما حدث كان فضيحة تستحق التحقيق والمساءلة و(الرفت) وما هو أشد من ذلك، لأن رسوب كل التلاميذ دون أن ينجح أحد يستوجب الوقوف والمساءلة والعقاب، لكن لن يحدث شيء للجناة الذين انشغلوا بتجميل المدن الكبرى التي يزورها الرئيس، وقاطنو القصر الرئاسي بكل درجاتهم، مع الاهتمام بـ(تبليط) الأحياء الذي كانت نتيجته خصماً على مستقبل السودان المتمثل في تعليم بنيه وتحصينهم بالعلم و(بلطوا) دون أن يتقدموا خطوة إلى الأمام.
لم يشعر المواطن المسكين، المغلوب على أمره، أن حكومته المحلية في الولاية تهتم بالأمر كثيراً، ولا حتى حكومته الولائية التي أصبح حالها مثل حال التي تسعى لوضع الأقراط في آذان لا تسمع، والحلي في أياد وأطراف عاجزة.. فبالله عليكم ما معنى أن تهتم حكومة “أيلا” – آسف – الدكتور “محمد طاهر أيلا” بأمر تجميل المدن ولا تهتم بتجميل مستقبل البلاد، بل تفعل ما هو أسوأ من ذلك بأن (تقبح) مستقبل الولاية والبلاد ونتيجة كارثية هي حصيلة عدم الاهتمام وسوء الإدارة، وعدم تحمل المسؤولين في مختلف درجات الحكم والإدارة.
بالله عليكم كيف تصمت حكومة الولاية في مدينة ود مدني على هذه الإساءة البالغة لإنسان الجزيرة وكيف يسكت المجلس التشريعي، وكيف لا يتحرك الوالي بإقالة المسؤولين عن هذه الكارثة الفظيعة، أو باستقالته هو شخصياً، لأن الأمر في مبتداه ومنتهاه هو مسؤولية الوالي، الذي تركز (420) تلميذاً في فناء غير مسور، يطل مباشرة على (سوق الحلة) الأسبوعي الذي يتسرب إليه الأطفال لبيع الأكياس، و(الداندرمة) وربما (الصعوط) وغيره، دون اعتبار لمدرسة لا يجدون داخلها معلمين يقومون بتدريسهم المقررات، بل يجدون أن كل القوة لا تزيد عن مدير مغلوب على أمره ومعلم واحد يقضي يومه جرياً وسعياً بين الفصول، يعطي هذا الفصل بداية درس الرياضيات، وذلك الفصل درساً في اللغة العربية، ويعطي فصلاً ثالثاً بعض ما في كتب التربية الإسلامية، ليجد آخر اليوم أنه لم يقدم أو يعطي درساً كاملاً لأحد، لكنه أعطانا جميعاً درساً لن ننساه، بل يجب علينا ألا ننساه.. فالمدارس التي بلا أسوار وبلا معلمين، وبلا مسؤولين يتحملون المسؤولية ستكون نتيجتها الحتمية (لم ينجح أحد) وإننا لنعجب من (ثقالة) هؤلاء الذين يصرون على البقاء حتى وإن كانت النتيجة مستقبلاً مظلماً لبلادنا.
إذا لم يستقل “أيلا” أقيلوه.. أقال الله عثراتكم.. أرحمونا يرحمكم الله، فنحن لا نريد أن نكون أمة جاهلة، وفاسدة بسبب سوء الإدارة وعدم الرشد، لذلك علينا الآن وقبل الغد أن نعمل على إطفاء حرائق الجهل، وإضاءة أنوار العلم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية