(المصري) أول بائع ساعات بشارع الجمهورية
الخرطوم كانت تسير على إيقاع الضبط والربط
(والزمن كان مبتسم والليالي جميلة حالمة)
الخرطوم – عامر باشاب
مجرد أن عرفنا أنه أول شاب سوداني بدأ بيع الساعات (الماركة) على شارع الجمهورية وعاصر العاصمة الحضارية الخرطوم عندما كانت حضارية شكلاً ومضموناً، واستطاع من خلال تجارته المتواضعة وبالكسب الحلال أن يعيش أسرتين وأن يوصل أبناءه إلى بر الأمان الاجتماعي والأكاديمي وساندهم حتى تخرجوا في الجامعات، وتوظفوا وتزوجوا وما زل يواصل في الكسب الحلال من على الطريق. (المجهر) سجلت زيارة خاطفة لبائع الساعات العم “محمد حسن” الشهير بـ(المصري)، ومرت لحظات وكمان ساعات ونحن ندردش معه عن الزمن الجميل.
{بداية نتعرف عليك؟
-اسمي محمد حسن محمد أحمد من أبناء المحس أسكن الكلاكلة متزوج والحمد الله لدي عشرة من البنين والبنات.
{منذ متى وأنت تمارس تجارة البرندات؟
-بداياتي مع الشراء والبيع بدأت في العام 1970
وقبلها كنت أعمل بمصلحة البريد والبرق التي التحقت بها في العام 67 بعد تخرجي في الوسطى مباشرة.
{أول الأصناف التي قمت ببيعها؟
-بدأت ببيع الساعات وأنا أول بائع للساعات في شارع الجمهورية وما زلت حتى هذه اللحظة أبيعها هنا، وبعد زمن طويل أضفت للأصناف المباعة النظارات الأمريكية (الريفال) والراديو (الفلبس) و(الناشونال) وكلها كانت من الماركات الأصلية.
{لماذا اخترت الساعات دون غيرها ؟
-الساعات عندما بدأت في تجارتها كان سوقها ضاجي
وكان زبائنها وعشاقها بالآلاف وكنا نكسب منها بالقدر الذي يكفي حاجتنا ويزيد.
{هل هناك اختلاف في الزبائن بالأمس واليوم؟
-في الماضي كانت للساعة أهمية قصوى حيث كان كل شيء محسوباً بالساعة والدقيقة والثانية، الموظفون في الدوائر الحكومية والشركات الخاصة وحتى التجار كانوا يحترمون الزمن بالإضافة إلى ذلك كانت ساعة اليد عنوان للأناقة والتحضر وأجمل هدية تقدم، وغالبية زبائني كانوا من كبار الموظفين في الخدمة المدنية خاصة العاملين في البريد والبرق والسكة الحديد وسودانير والبنوك والأساتذة بجامعة الخرطوم والطلاب، بالإضافة إلى المشاهير من الفنانين ولعيبة كرة القدم والأطباء وضباط الجيش والشرطة . أما الآن الجميع صاروا يرتدون الساعة ولكن للأسف غالبيتهم يلبسونها للوجاهة والبرستيج ولا يقيمونها التقييم الحقيقي .
{أجود أنواع الساعات في ذلك الوقت؟
-الخرطوم لم تكن تعرف غير الساعات الجيدة (الماركة)
(الرولكس) (الرادو) (الستزن) (السيكو) (الرومر) (الجوفيال).
وهذه كانت أفضل وأغلى أنواع الساعات في الزمن الجميل وجميعها من الماركات العالمية الممتازة والمعروفة بشهرتها العالمية.
{أرخص أنواع الساعات؟
-أرخص أنواع الساعات حينها ساعة ألمانية اسمها (رهلة) وساعة فرنسية عرفت باسمها التجاري (أم درمان).
{(ساعة ميتة) ماذا تعني؟
-الساعة الميتة تعني الساعة المعطلة وكان زمان هناك بعض الأشخاص الذين لا يعرفون التعامل مع الساعة وكانوا يلبسون هذه الساعات المعطلة (الميتة) لزوم المنظرة والفشخرة وللوجاهة الاجتماعية فقط.
{ساعة الموبايل هل أثرت على سوق ساعات اليد؟
-أبداً لم تؤثر والدليل على ذلك غالبية حاملي الهواتف السيارة يستخدمون ساعات اليد والساعة ستظل باقية في وجدان من تعودوا عليها وارتبطوا بها عنواناً للأناقة والضابط الأول للزمن.
{من أتى بعدك في نفس المجال؟
-من الزملاء الذين سلكوا نفس المجال على شارع الجمهورية
ود الحاجة وعثمان الأطرش.
{أشهر (الساعاتية) في أيامكم؟
-كثيرون تخصصوا في صيانة الساعات أذكر منهم الخواجة (نيرزا) والخواجة (صوميل) والخواجة (موريس) وهناك (نصر عجيب) و(محمد إبراهيم) و(برعي).
{هل كان هناك تجار جملة متخصصون في الساعات؟
-نعم كان هناك تجار جملة وموردون كبار تخصصوا فقط في جلب الساعات أبرزهم الحضري والسني ومحلاتهم كانت في أم درمان، أما المغربي في الخرطوم والآن نشتري من محلات شبارقة بأم درمان.
{باعتبارك شاهداً على العصر صف لنا الخرطوم القديمة؟
-السودان كله كما ردد الفنان القدير صلاح مصطفى الزمن كان مبتسم والليالي جميلة حالمة. كانت الخرطوم تسير على إيقاع الضبط والربط ولذلك كانت تجذب الأجانب برقيها وتمدنها وتحضرها، سوق الخضار والسوق الإفرنجي وعمارة أبو العلا وعمارة قرنفلي وفندق صحاري وبابا كوستا والاكروبول ومطعم اتنينا وفندق السودان والفندق الكبير والسواحلي وسينما (كلوزيوم والنيلين والوطنية)، حقاً كانت الخرطوم منظمة ونظيفة يتم غسلها صباحاً وليلاً لم تكن هناك فوضى ناس البلدية كانوا يتعاملون مع المخالفين في الأسواق والشارع العام بالقانون وبدون كشات، فقط عبر الإخطار وتكليف الحضور لمحكمة البلدية وكانت الغرامات مبالغ زهيدة لا تذكر.
{وماذا عن نوعياتها الآن؟
-الآن السوق امتلأ بالساعات الصينية وللأسف الشديد
غالبية الماركات التي تأتينا من الصين مضروبة
(تجارية) عمرها قصير وشكلها قبيح .
{الآن هل يوجد طلب على الساعات الماركات العتيقة؟
-بالتأكيد ما زال هناك من يعرفون قيمة الساعة ويميزون ما بين الجيد والرديء، وما زلت هذه التجارة تستر حالنا رغم الضغوط الاقتصادية وغلاء الأسعار.
{ماذا أكسبتك الحياة مع الساعات؟
-احترام الزمن والذوق والأناقة وعملياً استطعت أن تعيش مستور الحال وأكون أسرة بالمناسبة أنا متزوج اثنين وأسست لكل واحدة منهن بيتاً منفصلاً وتمليكاً على مستوى راقٍ عبر هذه التجارة ربيت أولادي أحسن تربية إلى أن تخرجوا في الجامعات وتوظفوا وتزوجوا وما زلت مواصلاً في تربية الصغار منهم من الكسب الحلال.
{بعد أن كبر العيال وتوظفوا لماذا لا تخلد للراحة والاستجمام بالبيت؟
-راحتي في عملي.
{كلمة أخيرة؟
-أتمنى أن تعود الخرطوم عاصمة حضارية وأن يعود الجنيه السوداني يتفوق على الدولار ودعوا الجميع لتقييم الزمن واحترام المواعيد، وأنصح العاملين في التجارة الكبيرة والبسيطة أن يتحروا الكسب الحلال. وأخيراً أشكر كل أسرة صحيفة (المجهر)، وأتمنى لهم دوام التقدم والنجاحات المتوالية.